شعر و فکر: مطالعاتی در ادبیات و فلسفه
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
ژانرها
من أبرز الإحساسات التي ينقلها إلينا الشعر الحديث هو الإحساس بالوحدة والقلق. فالشاعر هو أشد شعورا بوحدة الذات في العالم وانفرادها بين غيرها من البشر. والفكرة قديمة بغير شك. ولعلها قد وجدت قبل الرومانتيكية بكثير، غير أنها أصبحت في أيامنا فكرة جديدة كل الجدة، ترتبط ببدعة العصر أو حقيقته التي ذاعت اليوم على كل لسان، من أن هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصر القلق والوحدة والضياع في الزحام. ولعل الناس لا تتفق على شيء يتعلق بالشعر والشعراء كما تتفق على أنهم أناس متوحدون قلقون غريبو الطبع، اتفاقهم على أنهم مساكين أو «مجانين» أو يتبعهم الغاوون.
وقد عبر الشاعر «أبوللينير» عن ذلك في قصة نثرية بعنوان «الشاعر المقتول» (1916م) يسرد فيها أحداثا عجيبة غير منطقية تنتهي إلى تصور جريمة القتل التي ترتكبها جميع البلاد في حق جميع الشعراء، وتنتهي القصة بأن يصنع أحد المثالين للشاعر المقتول تمثالا من الدم. والشاعر سان - جون - بيرس يقول عن اللغة التي يستخدمها في قصيده الطويل المشهور «منفى» إنها لغة المنفى النقية. وإن دل هذا كله على شيء، فهو يدل على أن القلق قد أصبح سمة العصر التي يتحدث عنها الجميع كما كانوا يتحدثون قديما عن «القمر» أو «الشوق». ولذلك فليس غريبا أن نجد أحد الشعراء الإنجليز (وهو و. ه. أوديني) يؤلف في سنة 1946م قصيدة بعنوان «عصر القلق».
ولنعقد الآن مقارنة سريعة بين الجو العام الذي يسود إحدى قصائد شاعر قديم نسبيا مثل «جوته» (1749-1832م) وبين بعض قصائد المعاصرين. فهو يتحدث في قصيدته سكون (ويحتمل أن يكون قد كتبها في سنة 1795م) عن الفضاء الشاسع المخيف، والبحر الساكن العميق الذي لا تتحرك فيه موجة ولا تهب عليه نسمة:
سكون عميق يسود المياه،
وبلا حركة يمتد البحر،
والملاح ينظر مهموما
إلى السطح الأملس حواليه،
لا نسمة من أي ناحية.
سكون الموت المخيف
في الفضاء الشاسع،
صفحه نامشخص