شعر و فکر: مطالعاتی در ادبیات و فلسفه

عبد الغفار مکاوی d. 1434 AH
104

شعر و فکر: مطالعاتی در ادبیات و فلسفه

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

ژانرها

ولكن أين وصل الآن ذلك الشخص؟ إن الخاتمة التي تشبه السكون قد أنستنا بداية الحدث، وكأن لم يكن له ولا لصاحبنا القديم وجود ولا معنى. وإذا أمكن أن نجد للقصيدة مضمونا، فهو في اتجاه حركتها: وصول ولقاء وهدوء. وكلها حركات مجردة لا تعني شيئا غير نفسها، مشيعة بسر ذلك الحدث الغامض الذي تظهر على سطحه. فإذا جاءت الخاتمة لم تحل هذا السر، بل أضافت إليه جديدا. صحيح أن الحركة ستنتهي بالهدوء والهمود، ولكن تنافر الصور فيها يشير إلى مستوى أعلى من الغموض تصنعه اللغة نفسها.

طبيعي أن مثل هذا الغموض له سحره، كما أن له عند الشاعر العظيم ما يبرره في النغمة أو الصورة أو الرؤية. غير أنه قد يصبح لدى العاجزين من الشعراء ميدانا للادعاء والثرثرة، أو للتهكم والسخرية عند القراء. ومنذ سنوات عمد بعض هؤلاء القراء في أستراليا إلى دعابة خبيثة تشبه عندنا ما سمي بفضيحة اللامعقول ومسرحية دورنمات المزعومة، فألفوا أبياتا لا معنى لها ونسبوها إلى عامل مناجم مغمور زعموا من باب الاحتياط أنهم وجدوها في أوراقه بعد موته. وراح النقاد يشيدون بعمق هذه الأبيات، ويبكون موهبة الفقيد. •••

هل ننتهي الآن إلى القول بأن شعر أنجارتي شعر غامض وصعب؟ إن القارئ لن يستطيع أن يقرأه بسهولة، ولكن هذه الصعوبة عنصر مشترك بين الشعراء المحدثين. وستقابله ألغاز كثيرة تستعصي على المنطق والعقل، ولكنه سيحس أنها ليست ألغازا مستعصية، بل تتصل بلغز الحياة والكون نفسه، بحيث يمكننا أن نقول إنها ألغاز من النوع الذي لا يحتاج إلى حل أو الذي يجعل الشعر «سرا مكشوفا» على حد تعبير جوته في ديوانه الشرقي، وهو أقصى ما يمكن أن يصل إليه شاعر. إنه شعر ساطع البريق، خفيف حر، متألق لا تحتمل الكلمة فيه معنيين، جميل وصاف كحبات البلور. ولا يمنع هذا بالطبع أن يكون هذا الشعر عسيرا على الفهم؛ ربما لأنه يقذف بنا فجأة بعباراته المركزة الشديدة الإيجاز إلى قلب الوجود. وماذا نقول في قصيدة تتألف من كلمتين اثنتين، ويمكن أن تصبح حجرا يلقى في دوامة نفوسنا، فيهزها ويثيرها إلى آخر العمر؟ ماذا نقول في قصيدته المشهورة «صباح» التي تتكثف في هاتين الكلمتين: «استضئ باللانهاية»؟ التي حار كل المترجمين الأوروبيين في نقلها إلى لغاتهم، وحرت معهم كيف أنقلها إليك؟ هل نعبر عنها تعبيرا آخر فنقول: «نفسي تشرق باللامحدود» أم نقول: «يغمرني نور الكون الهائل»؟ إن هذا كله لا يغني ولا يفيد. فالمهم أننا نحس بالإحساس المفاجئ الذي أراد الشاعر أن ينقله إلينا، ونرتعش ارتعاش القطرة التي عانقت البحر. خذ أيضا هذه القصيدة بعنوان «أبدي»:

بين زهرة مقطوفة وأخرى مهداة

عدم لا يوصف.

أو هذه القصيدة «كون»:

من البحر

صنعت لي

نعشا من النضارة،

أو هذه «لعنة»: حبيسا بين أشياء فانية (كذلك ستفنى السماء ذات النجوم)

صفحه نامشخص