Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons
دروس الشيخ عبد الحي يوسف
ژانرها
تذكير الناس بمعاني العزة والكرامة
ولذا: فما أحرانا إلى أن نذكر الناس بمثل هذه المعاني، وإلى أن ندلهم على أن يرجعوا إلى القرآن؛ لكي يلتمسوا منه العبر والدروس وخاصة في زماننا هذا الذي اشتدت فيه الأزمات، وتوالت القوارع والنكبات على المسلمين، فاحتُلّت كثير من ديارهم، وعُطلت شريعتهم، وطُمست معالم دينهم، وأراد أعداؤهم أن يفرضوا عليهم ما يريدون من ثقافة وحضارة ورؤى واستشراف للمستقبل، وأرادوا أن يزرعوا في قلوبهم اليأس، وأنه لا أمل لهم في أن يرجعوا إلى دينهم، أو أن يستعيدوا أمجادهم، وصار حال الناس كما قال القائل: أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصًا جناحاه إن هذا الواقع الذي يعيشه الناس أدى إلى أن يدب اليأس والقنوط إلى قلوب كثير منهم، بل لقد دبَّ إلى ألسنتهم، فتجد عبارات تنضح باليأس، وربما يتفوه بها بعض الخاصة لا العامة! بل وخاصتهم من علمائهم ومفكريهم ومثقفيهم وأهل الحل والعقد فيهم! وتجد كثيرًا من هؤلاء يتكلمون وكأنه لا أمل ولا نجاة لنا بل لا بد أن نستسلم!! فمثل هؤلاء الناس لم ينظروا في عبر التاريخ، ولم ينظروا في تاريخ هذه الأمة الذي كان ولا زال في مد وجزر، وتقدم وتقهقر، ونصر وهزيمة، وأمل وألم، هؤلاء يحتاجون إلى أن يذكروا بقول الله ﷿: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر:٥١ - ٥٢]، ويحتاجون إلى من يذكرهم بقول الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات:١٧١ - ١٧٣]، ويحتاجون إلى من يذكرهم بأن رسول الله ﷺ وهو في أشد حالاته حين كان محاصرًا في مكة وكان أصحابه مضطهدين معذبين جاءه خباب بن الأرت ﵁ -والنبي ﷺ متوسد بردة له في ظل الكعبة- فقال له خباب -وقد عانى من المشركين ما عانى هو وإخوانه المؤمنون-: (يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟)، فيقول هذا الكلام وهو ﵁ يشعر بالضيق والكرب حين كان المشركون يأتون بالمسلم فيجيعونه ويعطشونه ويلقونه في حر الشمس، ويضعون على صدره الصخرة العظيمة، ويقولون له: واللات والعزى لا ندعك حتى تكفر بمحمد وإله محمد.
وهذا مثل الوضع الذي فيه المسلمون الآن، فبعضهم أسرى، وبعضهم مسجون، وبعضهم معذب، وبعضهم مطارَد، وبعضهم مضطهَد، وهكذا كان الصحابة، (فاعتدل النبي ﷺ في جلسته وقال له: لقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيوضع المنشار على رأسه حتى يفرق بين رجليه، ويمشطونه بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يرده ذلك عن دينه، ثم يقول ﵊: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون)، فالنبي ﵊ يقول هذا الكلام والصحابة لا يرون بادرة أمل في الأفق، لكنه ﵊ يزرع في قلوبهم الأمل، ويستدل على ذلك بأخبار الأولين، ولذلك لو قال قائل من الدعاة اليوم وهو يخاطب جماهير المسلمين: إن مع الصبر نصرًا، وإن مع الكرب فرجًا، وإن مع العسر يسرًا، وإن مع الشدة والسقم عافية ورحمة، ثم استدل على ذلك بأخبار الأولين وبعبر التاريخ وقصص الماضين، فلا ينبغي أن يقول قائل: إن هذا إنسان يعيش مع التاريخ، أو يعيش مع القصص والحكايات، فالله ﷻ حين يريد أن يزرع في قلوب الناس الأمل فإنه يذكرهم بالماضي، فها هو يقول لأصحاب رسوله ﷺ: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال:٢٦]، فالله ﷿ هنا يستدل بالماضي من أجل أن يبشرهم بالمستقبل، ومن أجل أن يدلهم على الحاضر، فينبغي أن نقول للمسلمين: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:١٣٩]، ونقول لهم: لا ينبغي أن يصيبكم وهن ولا حزن، ولا ضيق مهما توالت النكبات، ومهما اشتدت الأزمات، ومهما تتابعت القوارع، ومهما قتل من المسلمين العدد الكثير، نعم إننا نحزن لذلك كما كان يحزن رسول الله ﷺ، فعندما استشهد في مؤتة جعفر، وزيد، وعبد الله بن رواحة رضوان الله عليهم صعد النبي ﷺ على المنبر ودموعه على خديه، فنعى للصحابة جعفرًا وزيدًا وعبد الله بن رواحة، ولما وقف على جثمان عمه حمزة ﵁ وقد بُقرت بطنه، وجُدعت أنفه، وقطعت أذناه، دمعت عيناه صلوات ربي وسلامه عليه وقال: (والله ما وقفت موقفًا أغيظ من هذا)، وكان ﵊ يحزن عندما يصيبه الكرب، لكنه ﵊ لم يكن يقطع أمله في الله قط، بل كان يبشر المسلمين في أشد اللحظات ضيقًا وحرجًا، ففي وقعة الأحزاب كان المسلمون محاصَرون، وقد اجتمع عليهم ثلاثة أنواع من الكروب: برد شديد، وجوع شديد، وخوف شديد، قال تعالى عنهم: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ [الأحزاب:١٠]، فالمسلمون وهم في تلك الحال ترامت الأنباء بأن اليهود قد نقضوا العهد، وأنهم مالئوا المشركين على المسلمين، فأرسل النبي ﵊ السعدين: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضوان الله عليهما، وقال لهما ﵊ -وهو القائد الخبير المحنك-: (إن وجدتم اليهود على العهد باقين فأعلنوا ذلك للناس، وإن وجدتموهم قد نقضوا العهد فالحنوا لي لحنًا أعرفه)، أي: لئلا تفتوا في عضد الناس.
فذهب السعدان ﵄ فوجدا اليهود على شر حال: يسبون رسول الله ﷺ، ويذكرونه بالسوء، فقال السعدان لليهود: هل أنتم على العهد؟ قالوا: وأي عهد؟ قالا لهم: عهدكم مع رسول الله، قالوا: ومن رسول الله! وسبوه سبًا قبيحًا، فرجع السعدان رضوان الله عليهما وقالا: يا رسول الله! عضل والقارة -فهذا هو اللحن- ففهم النبي ﵊ أن اليهود قد غدروا بالمسلمين غدرًا كغدر قبيلتَي عضل والقارة بـ خبيب وأصحابه، فقال ﵊: (الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين!)، فسبحان الله! فأي بشرى هذه؟! وهؤلاء المشركون من قريش وغطفان والأحابيش قد حاصروا المدينة من كل ناحية، وهؤلاء اليهود قد نقضوا العهد، وهؤلاء المنافقون يتسللون لواذًا يفتون في عضد الناس، ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب:١٣]، ومع ذلك يقول النبي ﷺ: (أبشروا يا معشر المسلمين!) ولم يقل ذلك ﵊ إلا لأنه يعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، والآن تمالئ على المسلمين أمم الأرض من كل حدب وصوب، فما إن يسمع أعداء الله ﷿ بجماعة من المسلمين في بلد من البلاد قد نشروا الأمن، وحكموا شريعة الله، ووجد المسلمون معهم حلاوة الحياة إلا سعوا في وأدهم، وتدميرهم، وتقتيلهم، ومطاردتهم، وأن يلصقوا بهم أبشع التهم، وأشنع الأوصاف، وشردوا بهم من خلفهم، ونجد أن المنافقين يتسللون بكتاباتهم وأحاديثهم وإشاعاتهم ليفتوا في عضد الناس، وليدخلوا اليأس في القلوب، فنذكر هؤلاء بقول ربنا: «وَلا تَهِنُوا»، فالوهن ممنوع، ونذكرهم بقول رسول الله ﷺ: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، واحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل).
فيا أيها المسلم! اقرأ قول الله ﷿: «وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ»، ويا من تقارع أعداء الله وتجاهد في سبيل الله! ويا من تتوق إلى نصر الإسلام! اقرأ هذه الآية: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾ [النساء:١٠٤]، وتأمل في هذه الآية، واعلم بأن الله ﷿ بشرك أولًا: بأن الألم الذي يصيبك فإنه يصيب الكفار مثله: «إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ»، وإن كان في المسلمين قتيل وجريح ومعوق ومتألم فكذلك في الكفار، وما دام في المسلمين من يرفع هذه الراية: لا إله إلا الله، ويعتقد أن معقد العز وذروة سنام الإسلام هو الجهاد فليعلم أنه من أهل هذه الآية: «إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ».
ثانيًا: قال الله ﷿: «وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ»، فالكافر أمله في هذه الدنيا، وأما أنت أيها المسلم! فتعتقد أن بعد هذه الحياة حياة، وأن بعد هذه الدنيا جنة عرضها السموات والأرض، ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر:٥٥]، فتعتقد أن هناك جنة تنتظرك، وهذه الجنة بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وترابها الزعفران، من دخلها ينعم فلا يبأس، ويسعد فلا يشقى، ويشب فلا يهرم، ويخلد فلا يموت: «وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ»، وهذا المعنى هو الذي فه
1 / 3