15
هكذا وجد يحيى نفسه وأمه وحيدين في حجرة ببنسيون الدلتا. هو لا يملك مليما وهي لا تملك إلا مؤخر صداقها. ورغم الانفعالات التي تعصف بهما قالت له: أي نهاية! أنا صاحبة كل شيء، ولكن لننس همومنا، عليك أن تنجح، هي فرصتك الأخيرة، بل هل فرصتنا الأخيرة!
هو أيضا مقتنع بذلك ومصمم عليه وليس دونها إحساسا بالخطر، غير أنه قال بحنق: لن يفلت المجرمون بلا عقاب.
فقالت بحرارة: لا تفكر إلا في الامتحان ... - ولكن ... كيف عرف الرجل؟ - إني أتصور ما حدث كما لو كنت شاهدة له، لقد أفضيت أنت بسر الرحلة إلى وداد، ما تعرفه وداد تعرفه أمها، أمها وجدت فيما سمعت ما يستحق أن تبلغه محروس، محروس وجد فيه ما يجب أن يوصله - بطريقة ما - إلى جندي الأعور ليقضي عليك أو علينا معا وبذلك يمنعه من التصرف في الثروة، جندي الغبي اعتقد أنك تبيت له أمرا فساء ظنه بك وبي وربما بأبيك أيضا، قرر أن يتخلص منا قبل أن نتخلص منه، لا أحد يدري ماذا ستكون الخطوة التالية، ولكن كل ذلك لا يهم، ما يهمنا شيء واحد هو نجاحك.
إنه مقتنع بذلك ومصمم عليه وليس دونها إحساسا بالخطر، حتى الحنق عليه أن يحبسه إلى حين.
وعندما التقى بوداد في ركنهما بجليم دمعت عيناها وقالت بتأثر شديد: إني آسفة يا يحيى، إن الحوادث جعلت من أبي رجلا شريرا!
فرفع منكبيه استهانة ولم يجد ما يقوله فقالت: أي ظلم وقع على والدتك!
أراد أن يقول إنه جزاء عادل، وإنه يجب أن يشمل الجميع. وتجنب هذه المرة أن يبوح لها بأسرار غضبه، ولكنه شعر بأن علاقتهما صامدة أمام العواصف.
16
وجد أنه لن يستطيع التفرغ لدراسته إن لم ينفس عن غضبه بضربة عاجلة. فكر مليا ثم قرر السفر إلى أبيه ليدله على مكان جندي الأعور وحقيقته. إنها مغامرة قد يستطيع أن يتكهن بعواقبها ولكن يحتمل أن يأكل الشر بعضه البعض. واعترف فيما بينه وبين نفسه بأنه قرار مخيف لا يبرره إلا الغضب والرغبة الجنونية في رد الضربة بمثلها. وسافر دون أن يخطر أمه بنواياه. واقتحم الحارة منقبا عن عويس الدغل. ولما أعياه التنقيب قصد إلى صديقه العجوز عم سليمان صاحب المقهى. وقال له العجوز: جئت متأخرا، قبض على عويس الدغل أول أمس!
صفحه نامشخص