55

شیطان یعظ

الشيطان يعظ

ژانرها

ثم وهي تزدرد ريقها: كان الطفل أمومتي الأولى والأخيرة فغير نظرتي للأشياء ...

وتريثت حتى تعالج أنفاسها وواصلت: ثم ظهر في حياتي رجل يدعى جندي الأعور ...

تفرست في وجهه الواجم ثم قالت: لم يكن جندي الأعور خيرا من عويس الدغل ولا عويس الدغل خيرا من جندي الأعور، ولكن كان قدري أن أجد نفسي دائما بين يدي أحد من أمثالهما، ولم يكن يشغلني وقتذاك إلا أن أجد مأوى لي ولابني ففعلت ما فعلت، أي دناءة في هجر لص من أجل لص آخر، وأي حظ كنت تتوقعه لو انتظرت أباك حتى يفرج عنه؟ وهل تدري أي وحش كان؟!

تنهدت بصوت مسموع، وبدت كمن نجا من الغرق بمعجزة ولكنه لم يبلغ الشاطئ بعد، وقالت بصوت استمد من الشجاعة بعض القوة: وما كنته قبل أبيك كان محنة لا خطيئة، لقد وجدت نفسي وحيدة ضائعة منذ صباي، وما احترفت شيئا به إغراء لأي آدمي، ولكن أين لمثلك ممن تربوا في أحضان النعيم أن يدركوا ذلك؟!

ها هي تسخر منه أيضا، وها هو يخنس أكثر وأكثر وقد تداعت أركان مملكته. وقد زادت الأمور تعقيدا واكتنف اتخاذ القرار صعوبات جديدة. أما الأم فمضت تقول: ولأول مرة يغير جندي الأعور مسلكه في الحياة فيقرر استثمار ماله عادلا عن الصعلكة والبرمجة، مصمما على تمثيل دور جديد، دور رجل الأعمال المحسن الكريم، ما مدى إخلاصه؟ لا أدري عن ذلك شيئا ولكن حسبنا أنه صار رجلا آخر وأنه أنشأك نشأة نبيلة، وبوسعي أن أؤكد لك أنه يحبك، إنه ما أحب محروس قط، كان دائما يخافه ويتوهم أنه ابن رجل آخر، ويئس تماما من تغيير سلوكه، فلم يبق له من عزاء سواك، ولا أستطيع أن أحكم على ماضيه بغير العين التي أحكم بها على نفسي، كان ضائعا مثلي ومثل أبيك، نحن لا يديننا إلا من لم يذق مرارة العيش مثلنا، حتى شريفة الدهل كانت مثلنا، أقول ذلك رغم الكره المتبادل بيننا ...

لم يرفع عينيه من الأرض ولم ينبس، فواصلت بحرارة جديدة: إني أتصور الضربة التي زلزلتك، ألمسها في وجهك، في رحلتك المخيفة، ولكن لا أحد يستحق أن يكون هدفا لمقتك وغضبك، إذا علمتك المأساة أن تحزن وتثور، فتعلم منها أيضا أن تفهم ...

فتمتم بعد صمت طويل: ما لا عزاء فيه هو أنكم سرقتم أتعس التعساء ... - ما الحيلة؟ ولكن لا تنس أننا كنا أتعس منهم ...

فتفكر مليا ثم قال: قد لا يكون لي حق المحاكمة ولكن واجبي أن أرفض. - ترفض ماذا؟ - هذه الحياة التي لا يمكن الدفاع عن قذارتها!

فقالت بجزع: يا له من قرار خاطئ، لماذا؟ ما مضى مضى وانقضى. عمك اليوم يرغب في أن يورثك ثروته وقد شاور محاميه في الأمر، ثم إنك بريء ولا شأن لك بأخطاء الآخرين!

فأشار إلى صدره وقال: الرفض من هنا ولا حيلة لي.

صفحه نامشخص