شیطان بنتاور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
ژانرها
قالت: أما أبو بكر فأخذني كما تؤخذ الإماء، وخرج مني خروج الأنبياء؛ ضرب على يدي أن أفسد هذا الأمر حين الفرصة سانحة، والصفقة رابحة، والأمة جامحة، إلى الفتنة جانحة. وأما هذا الذي أعذب في أسره، وأبلو المر من معاملته ، فأشدهم إعراضا عني، وأكثرهم فرارا مني، لم يرضني أمة تشرى، ولا قبل بي طريقا إلى الأخرى، ولا يزال حتى يخرج مني خروج الأنبياء. وأما ابن عفان فأتقرب إليه بقرابته، وأمهد للفتنة تمهيدا في خلافته؛ ولا أزال به أتنازعه أنا ودينه حتى أزول عنه إلى علي؛ أزهد الناس في، وأكثرهم إساءة إلي، يفضحني في كلمه، ويقبحني في حكمه، ولا يرضى بي لنفسه قسما، ولا للغير غنما، ينافس في معاوية، ونفسه عني راغبة سالية، ولا يزال يجعل همه في جمع أمر الأمة، وحفظ إمرة المسلمين في بيت النبوة، وأنا أروغ بالنفوس منه، وأحيد بالقلوب عنه، حتى يخرج مني وليس في يده مني هباء، كما خرج من قبل الأنبياء.
قال النسر: فكيف أنت بمعاوية؟
قالت: فطن داهية، مختلف في السر والعلانية، لا يزال يهجرني إلى الدين ويهجر الدين إلي، وهو في خاصة نفسه أحرص الناس علي، يتسع من نعيمي لنفسه، ولذريته من بعده، ويتخذ الآخرة طريقا إلي وكنت طريق السلف إليها، حتى أجتمع له ولآله وأعوانه، ثم أزول عنه وقد استرقني لبني أمية يصيبون بي خيرا كثيرا، ويتوارثونني ملكا في الأرض كبيرا.
قال: وأنت ظل الملك؛ حيث كان كنت، وأين سكن سكنت.
قالت: أنا الملك والملك أنا، وما نهض به في الأرض من آذاني بشامل عدله، وساءني بحسن سيرته، إلا زلت عنه على عهده، أو قاطعت ذريته من بعده، وهذا هو السر في كون الملوك الصالحين العادلين في التاريخ لم تستقم لأكثرهم الحال في أواخر حكمهم، ولم يقم من عقبهم من أحسن السلوك، أو سار سيرة تليق بالملوك.
قال الهدهد: ثم التفت النسر إلي وقال: دونك أيها الهدهد هذه الصحيفة الناطقة، وهذا التاريخ المتكلم، فسل ما شئت، واستفسر عما شئت، من فائدة تستجلبها، أو حكمة تأخذها.
فاستقبلت العجوز وأنا أعجب من حفاوة الأستاذ بها، وأستغرب منه هذه المبالغة في خطابها، ثم قلت: صفحا أيتها الدنيا عن هفوتي، وانسي لي جفوتي، وخبريني أي الناس أحب إليك وأيهم أبغض عليك؟
قالت: أحب الناس إلي أبغضهم إلى الله، وأبغض الناس إلي أحبهم إلى الله!
قلت: ومن أبغضهم إلى الله ومن أحبهم إليه؟
قالت: أبغضهم إلى الله العالم المفتون، وذو الصنع الممنون، ومؤتمن يخون. وأحبهم إليه العامل عن علم، المتواضع في رفعة، العافي على مقدرة، الذاكر الموت المستعد له؛ فهذا الذي يرجى لعظيم الأعمال في الدنيا، ولصالحها في الآخرة.
صفحه نامشخص