شیطان بنتاور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
ژانرها
رمسيس يا كل الملو
ك ويا جميع العالم
يفدي سليل الشمس ك
ل مسلسل من آدم!
والتفت إلى النسر فرأيته يتهلل، فعلمت أن قولي أرضاه، وأن الألفاظ جرت على هواه؛ فأردفت بأن قلت: علمت الأرض يا مولاي أنك خير من ملكها، وأجرى من سلكها، وأفضل من تركها؛ وعلم الأحياء أنك كنت كالفلك لا تسكن، وكالمنية لا تدفع، وكالصخرة لا تستخف، وكالسماء لا تطاول، وكالدهر لا تنام، وكالنجم لا تعيا، وكالسيف لا تروى، وكالدنيا لا تكره، وكالحياة لا تمل، وكالصبح لا تخفى، وكالشمس لا تستزاد، وكالسهم لا ترد، وكالبحر لا تزحم، وكالذهب لا تراب، وكالليث لا تهاب، وكالطيب لا تكتم، وكالنار لا تدنس، وكالعارض لا تعارض، وكالريح لا تستبدل، وكالحق لا تغلب، وكالسعادة لا تعادل، وكالسلامة لا تفاضل، وكالبدر لا تواسم، وكالليل لا يدرى ما تأتي.
قال الهدهد: وخالست الملك وجلساءه النظر، فوجدتهم منصتين لما أزخرف من الثناء، ورأيت النسر يزداد تهللا، فشجعني ذلك على متابعة الخطاب، فقلت: وعلموا يا مولاي عن صباك أنك ملكت الدنيا في رؤيا قبل أن تولد وأن تحيا، ثم ما جاوزت العاشرة حتى الملك بيدك، والأيام من جندك، والخير والشر من عندك؛ فكنت في ذاك الصبا الغض والعمر النضير، وهذا الأمر النافذ والملك الكبير، مثال الملوك المحتذى في كرم الخلال وحسن الأخلاق، يأخذ الكهول منك العلم، ويتعلم الشيوخ منك الحلم، وتغلب النفس على شيمتها الظلم، وتركب الحرب إلى السلم.
هنا أطرق الملك هنيهة، ثم رفع رأسه وأشار بوجهه نحو أصحابه وقال: أتذكرون إذ أزجي الجيوش وأنا طفل، وإذ مثلوني التاج فوق رأسي وأصبعي في فمي ألوكها كما يفعل الصبيان؟ أتذكرون إذ لبست التاج في الهيكل الطيبي وأنا صبي، كالشبل الليبي، من رآني قال: لن يكبر هذا ولن يعمى ولن يهلك أبدا؟ أتذكرون إذ نحن صغار، نصارع بالنهار وحوش القفار، وإذ تجمعنا بالليل والعلماء المسامر، نأخذ من علمهم وآدابهم، ونتلقى عليهم الدروس النافعة؟ أتذكرون إذ أسير في الأرض في سبعمائة ألف مقاتل، وآونة أركب البحر في عدد أمواجه من سفن القتال؛ فملكت المعمور من أفريقيا، وأخضعت المسكون من آسيا، ونشرت أعلامي على الأمم والشعوب، وملأت من آثاري الشعاب والدروب ، فلا جبل إلا لي فيه أثر، ولا بقعة إلا لي عليها حجر؟
قال بنتاءور: نذكر ذلك كله، ونعلم أنه لم ينل ملك ما نلت من صنوف السعادة، ولا أوتي بشر ما أوتيت من بسطة الملك وامتداد السيادة!
قال: لكن وددت لو خلقت ابن راع، أو أحد الزراع، في بعض الضياع، وأني لم أعرف الملك ولم أنل من معاليه ما نلت؛ ذلك من أجل حادثة وقعت في حرب أمة الخيتاس، إذا ذكرتها وأنا في غاية السرور، انقلب سروري انقباضا وترحة، وإذا خطرت على البال وأنا في ذروة المجد وأوج العظمة، صغرت نفسي في عيني واحتقرت في خاطري، واستحييت من الشمس أن ألقاها بوجهي، وهي الملك المسوي القسم بين الأحياء، المنعم لهم بالحياة على السواء؛ وحديث تلك الحادثة أنني أحرجت العدو يومذاك، بعد أن أتم الآلهة لي النصرة عليه، فانساق بين يدي شيوخا ونساء وأطفالا، وأنا أطاردهم وحدي، فأبيدهم بمركبتي تارة، وبسهامي أخرى، حتى صادفوا في طريقهم غابة، فاستعصموا بها فولجتها عليهم، وجعلت أصطادهم في أعالي الأشجار كما تصطاد الطير في الأوكار، غير راث لحالهم، ولا راحم ضعفاءهم، وكان فوق شجرة هناك رجل شيخ أعمى قد تسلقها، وجذبه حب الحياة فعانقها، فرميته بسهم فأصابه، فصرخ قائلا: «أعمى أصاب أعمى يا رمسيس!» ثم سقط يتخبط في دمه، فامتنعت من فوري عن متابعة الفتك، ومواصلة البطش، وكانت نجاة البقية الباقية من أولئك الفارين الضعفاء، على لسان ذلك الشيخ الأعمى، الذي ما وعظني منذ كنت غيره، ولا عرفني قدر نفسي سواه؛ والآن أحس كأن السهم رد إلى مرسله، وأن ذلك الأعمى أصاب هذا الأعمى، فيا أيها المعمرون بعدي، لا تغرنكم الأيام، واتقوا سهام الانتقام!
ثم حول الملك وجهه إلي وقال: وأنت يا صاحب النسر، وشيطان الشعر في عصر غير هذا العصر، اعلم أن المجد والعظم في الدول والأمم ينتهيان إلى بناة الفسطاط، وأنهم خير من ورث النيل بعدي؛ ظلمت وعدلوا، وتطرفت واعتدلوا، وأسرت وأطلقوا، واستعبدت وأعتقوا، وخلدت بعدي الحجر، وخلفوا بعدهم السير؛ ذهبت الديانات ودينهم هو الدائم، وبادت اللغات ولسانهم في مصر قائم، وأريبت كل أمة في وادي النيل، وذكرهم فيه سالم جميل، وشقي الغريب فيه بغيرهم، وغمر من أول يوم بخيرهم، واستوى السوقة والملك على عهدهم، وما تساويا من قبلهم ولا من بعدهم؛ وتكافأ في مصر الخليفة والعامل، حتى لا أدري أيهما الرجل العادل والإنسان الكامل. وإن الذي استنزل روحي من عالم الراحة الكبرى بعد ثلاثين قرنا أو تزيد، وسلط علي من روحه ما يوجد العديم ويبعث الرميم، وحاز لك الدول منذ التأسيس، والملوك من منا إلى أمازيس، في منفيس، على عهد رمسيس؛ لقادر على أن يريك الفسطاط وأهلها، ويشهدك تلك الدولة وعدلها، وأمة العرب وفضلها، حتى إذا قستها بمن قبلها قضيت عليها أو لها.
صفحه نامشخص