شیطان بنتاور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
ژانرها
وحسدني حاسد على منزلتي الجديدة في خدمة الملك، فوشى بي عند جلالته، وقال عني إني أذيع كلماته وأنقل ما يدور بيننا من الحديث، فقال له الملك: أنا أعلم بما أقول، وليس في كلمي ما يريب فأكره أن يصل إلى عبادي! ثم أمر بالواشي فطرد من خدمته، وقال: الملوك اثنان: ملك أذنه للمظالم، وهذا سيد الأكارم، وآخر أذنه للنمائم، وهذا عبد الألائم.
ورماني أحدهم عند جلالته بأني كثير الحلف بحياته؛ وهذا كما تعلم محرم على العامة، مكروه صدوره عن الخاصة، فقال: رجل عيشه بعيشي، ولا يثق بصفو الحياة بعدي، له ألف عذر أن يحلف بأيامي. ثم أردف بأن قال للواشي: ونحن معشر الملوك أحوج إلى من تخلص لنا سرائره منا إلى من يرضينا ظاهره؛ نلقى إجلال الناس حيث ملنا، ولا نثق بحبهم لنا ... هذا قليل من كثير من كلمات الملك التي اختصه بها آباؤه، وبودي لو نلتقي على خلوة تطول؛ لأحدثك عن جلالته فتقول زدني من حديثك، ولتعلم أنه ملك الملوك يقينا، ولو نظر إليه عاطلا من أبهة الملك وعظمة السلطان، وأن جنوده ملوك الجنود، فحسبنا شرفا ما أنت فيه يا أخي من إعزاز لوائه والاعتزاز به، وحماية سفنه والاحتماء بها، والحياة في ظل ملكه، والموت دون شرفه الرفيع.»
قال الهدهد: وما كاد تحوت يفرغ من قراءة رسالته، حتى تثاءب النسر، والتفت إلي مثقل الجفنين بالنعاس، فقال: إذا جاء الليل ذهبت الشياطين، فالقني غدا في دار الأعمى «بسادر». فخرجت من صفو تلك الأحلام إلى كدر اليقظة بين هذا الأنام.
المحادثة التاسعة
قال الهدهد: فلما كان اليوم التالي قضيت النهار في كد وكدح وتعب حياة، وأشغال دنيا طالبها حائم ، على ماء دائم، وليته دائم، إلى أن كان أوان الموعد، فثرت إلى منف، وأنا لا أستطيع للغيظ كظما، ولا أملك في أمر النسر حلما، ولا أظن أن سأهتدي إلى ذلك الأعمى؛ فلما بلغت بناء «منا» الدائم، وقدمت أم المدن القدائم، نظرت إليها نظرة مرتاح، وقمت لديها على جناح، وقلت في نفسي: صفحا للنسر عن هفواته، إذ كان هذا المنظر من حسناته؛ وهكذا الإنسان ينسى ويذكر، ويكفر أحيانا ويشكر.
ثم فكرت في الأعمى وداره، وما يقتضيني النسر من مزاره، فسألت نفسي: من يا ترى الرجل حتى يزوره النسر، وأي العميان هو، فهم كثر؟ تراه «شمشون» في الهيكل انبعث، أم «المعري» قام من الجدث، أم «يعقوب» ابيضت عيناه من الحزن على فتاه، أم «بشار بن برد» قام من اللحد، أم «أبو العباس» الأعمى، أم «دريد بن الصما»، أم الخليفة «القادر» في أيام محنته، أم «حسان بن ثابت» في آخر مدته، أم «الشطبي»، أم «طوبيا» النبي، أم «هومير» الشاعر اليوناني، أم «ملتون» الشاعر الإنكليزي، أم «مرصفي» هذا الزمان صاحب «الوسيلة» والكلم الثمان، وأول من علم الهدهد البيان،
1
أم «داود الأكمه»، أم «ابن سيده»، أم «الطليطلي»، أم أكمه المسيح، أم أعمى عبس، أم الأعمى الذي قتل البصير في هذا الزمن الأخير؟
2
ولم يبق أعمى في الزمن الغابر، إلا مر ذكره بالخاطر، ثم قلت: لعلها تعمية شاعر، والرجل من عمي البصائر، فتشابه البقر علي عندئذ وقلت: لعله أحد الغز
صفحه نامشخص