شیطان بنتاور
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
ژانرها
قال: السيف يا بني يعلي السيف، والدول إذا كبرت وعز مقامها وتغلبت وعرفت الجاه والنفوذ، جد بها الحرص على البقاء، وطمعت في المزيد من الارتقاء، مخافة أن تقف فيدركها اللاحقون، أو تتمهل فيفوتها السابقون. وقد جرت العادة بين الناس أن الضعيف لا يزال يرمي القوي بالبغي حتى يصير ذا قوة مثله فيطغى مثل طغيانه، والفقير لا يزال يتهم الغني بالجشع حتى يثرى فيصبح هو الأجشع. وليس ما ترى من رحمة الناس البوير وما تسمع من ذمهم الإنكليز المعملين السيف في جنوب أفريقيا منذ عامين،
2
إلا حسدا لا ينفع البوير ولا يصغر الإنكليز؛ ولو أن إحدى الدول مكانهم ما كان شأنها إلا شأنهم؛ على أن الفتح إذا نفع القاهر مرة، نفع المقهور ألف مرة، فرمسيس إنما يخرج الأمم من الظلمات إلى النور، فيفك عقولهم من عقالها، ويشفي نفوسهم من ضلالها، ولولا فضل المصريين على أهل الأعصر الأول، ما قامت للأحباش دولة، ولا اجتمع للعبرانيين أمر، ولا انعقد للأشوريين لواء؛ سرى نورهم في الأمم المجاورة، وامتدت حياتهم إلى الشعوب المعاصرة، وهكذا سنة الدهر في الناس: أواخر يرثون الأول، ودول تبني أنقاض دول.
قال الهدهد: فعذبت مقالة النسر في نفسي، كأنها لفظ الشفاء على لسان طبيب، وقلت: لقد أخرجتني من يأسي يا مولاي، وعلمتني من مستقبل مصر ما لم أكن أعلم!
فتنهد بنتاءور وقال: تجمع كل أمة جوامع شتى من لغة ودين وجنس، وأمل ويأس، وسراء وضراء، وأنتم لا تعرفون غير جامعة الموت تجمع الأعداء.
ثم قطع الحديث وقال: هذا شيء نتحادث فيه بعد، فلنبق فيما نحن فيه من اجتلاء المناظر والمشاهد، ومناجاة المعالم والمعاهد.
قلت: ذلك أنفع لي يا مولاي، فما هذا التمثال القائم بين مقاصير الآلهة من الهيكل، وبين مجلس الملك ومنصب عرشه منه، إني أراه كعون بن عنق في ضخامته التي يزعمون!
فمشى النسر إلى التمثال وجثا لديه، ثم نهض وقال: فرغ الملك من حروبه التي تسير كالأمثال، وأمن تخوم ممالكه، وأخذ بالثقة من المستعمرات الواسعة، وفرق جيوشه في البسيطة يعززون فيها آية الملك ويحمون أطرافها، وأصبح من ثبوت الدنيا له، واستقامة الأمر في يده، بحيث قلت في وصفه ومدحه:
رمسيس يا ملك الدنيا وواحدها
وبضعة النور وابن الكوكب الأحد
صفحه نامشخص