ومن المحقق فيما أرى أنه لم يؤخر نفسه وقومه فحسب، وإنما أخر بني تيم رهط أبي بكر أيضا إلى موضعهم من قرابة النبي، على أنه في تنظيم العطاء نظر إلى القرابة من رسول الله بالقياس إلى بعض الناس، ففضل أقرب الناس إلى النبي على سائر بني هاشم، ثم رتب الناس في العطاء على قدمهم وسابقتهم في الإسلام، وعلى بلائهم في الإسلام أيضا، وعلى قراءتهم للقرآن؛ ففرض للذين هاجروا قبل فتح مكة ثلاثة آلاف لكل واحد، منهم: أحرارهم وعتقائهم، وفرض للذين شهدوا بدرا خمسة آلاف درهم في العام، وللذين هاجروا إلى الحبشة والذين شهدوا أحدا أربعة آلاف، ولمن شهد الأحداث من أبناء المهاجرين والبدريين ثلاثة آلاف إلا الحسن والحسين رحمهما الله، ففرض لهما مثل ما فرض لأبيهما خمسة آلاف لكل واحد منهما.
وفضل أسامة بن زيد على أترابه من أبناء المهاجرين، ففرض له أربعة آلاف، وقد كلمه في ذلك ابنه عبد الله، فقال: فرضت لي ثلاثة آلاف ولأسامة بن زيد أربعة آلاف؟ فقال عمر: فضلته لأنه كان أحب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
منك، ولأن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك. وفرض لعمر بن أبي سلمة أربعة آلاف، فعارض في ذلك محمد بن عبد الله بن جحش، وقال: لم تفضل ابن أبي سلمة علينا، وقد هاجر آباؤنا وشهدوا المشاهد؟! فقال عمر: أفضله لمكانه من النبي
صلى الله عليه وسلم
فليأت الذي يستعتب بأم مثل أم سلمة أعتبه. وفضل العباس بن عبد المطلب، ففرض له خمسة آلاف درهم، وفضل أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم
على الناس جميعا؛ ففرض لكل واحدة منهن اثني عشر ألف درهم.
ثم أنزل الناس بعد ذلك منازل؛ ففرض لكثير منهم ألفين وخمسمائة، ولآخرين ألفين ألفين. ثم جعل ينزل الناس منازلهم حتى كان آخر عطاء فرضه ثلاثمائة درهم لم ينقص أحدا من هذا، وفرض لكل طفل فطيم مائة درهم، فإذا ترعرع زاد عطاءه إلى مائتين، فإذا بلغ وضعه في منزلة أمثاله. على أنه غير نظام العطاء بالقياس إلى الأطفال حين رأى امرأة تعجل ابنها عن الفطام، فروعه ذلك ترويعا شديدا حتى صلى صلاة الصبح غداة تلك الليلة التي رأى فيها هذه المرأة وطفلها، وما يستبين صوته من البكاء، فلما فرغ من صلاته قال: يا بؤسي لعمر! كم قتل من أبناء المسلمين! ثم أمر المنادين فنادوا في الناس ألا لا تعجلوا أبناءكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى عماله في الأقاليم؛ ومعنى ذلك أن الطفل كان يأخذ وليه عطاءه منذ يولد ولا ينتظر به الفطام. وجعل للقيط مائة درهم يأخذها وليه ويدخرها له، وجعل رضاعه ورزقه من بيت المال يصيب وليه حق ذلك في كل شهر، فإذا ترعرع اللقيط زيد عطاؤه، وكان شأنه شأن أطفال المسلمين.
وقد فرض عمر لنساء أرامل عطاء، فجعل لصفية بنت عبد المطلب ألف درهم، ولأسماء بنت عميس زوج أبي بكر ألف درهم، ولأم عبد الله بن مسعود ألف درهم.
صفحه نامشخص