صلى الله عليه وسلم
يقول: «إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإن لم تكونوا فيها فلا تدخلوها.» فعاد عمر إلى المدينة راضيا مطمئنا.
ودخل عمر الشام للمرة الثالثة بعد أن ارتفع الوباء، وقد أصيبت طائفة ضخمة من المسلمين وجماعة من خيار أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ، منهم: أبو عبيدة أمير الشام، ومعاذ بن جبل رحمهما الله، وآخرون كثيرون. فلما انقضى الوباء ظهرت أمام معاوية بن أبي سفيان أمير الشام بعد أبي عبيدة مشكلة عسيرة، فقد كثرت ضحايا الطاعون وأشكلت مواريث من مات على من بقي من المسلمين، فاضطر عمر إلى أن يسير إلى الشام، فيحل هذه المشكلة، ويرد المواريث على أصحابها.
وكان عمر يفكر كثيرا بعد زيارته هذه للشام في أن يزور أقاليم الدولة كلها، فيقضي في كل إقليم شهرين يباشر فيهما بنفسه ما يعرض من المشكلات، ويباشر فيهما بنفسه أيضا أمور الناس ، فيعلم الولاة بسيرته كيف يدبرون سياسة الأقاليم والأمصار. وكان عمر شديد الخوف دائما من سيرة الولاة، لا يأمنهم أن يجوروا أو أن يقصروا، ومع أنه كان يراقبهم أشد المراقبة ويرسل إليهم من قبله من يفحص أعمالهم، فكثيرا ما كان يقول: إنه لا يخاف شيئا كما يخاف أن تكون للناس خلافات لا ينصفهم الولاة برفعها، ولا يقدرون هم على أن يرفعوها إليه؛ فكان يرى في هذه الزيارة التي كان يرجوها أحسن علاج لهذه المشكلات وأمثالها.
وكان عمر يلقى الولاة في الموسم من كل عام ويلقى معهم الحجيج من كل مصر، فيسأل الولاة عن الرعية، ويسأل الحجيج عن سيرة الولاة فيهم، ولكن هذا كله لم يكن يكفيه؛ فكان حريصا على أن يطمئن بنفسه على سيرة الولاة وسيرة الرعية جميعا. ولم تتح له هذه الزيارات التي كان يزمعها ويحرص عليها أشد الحرص، شغلته الأحداث ومراقبة الحرب في بلاد الفرس حتى اختطفته المنية اختطافا.
7
وكانت حرب الفرس عسيرة أشد العسر طويلة أشد الطول، ومع ذلك فقد بلغ منها عمر - رحمه الله - ما أراد وأكثر جدا مما أراد؛ لم يكن يحب المضي في الحرب، وإنما كان يحرص على أن يؤمن العرب في جزيرتهم، وفي الشام والعراق من حكم الأجنبي، وأن يجمعهم ما استطاع على الإسلام.
ولكن بعض الحرب يدعو بعضها، وإذا ابتدأت الحرب فقلما يعرف المنتصر لها آخرا، وقد استطاع عمر أن يقف الحرب من الشام عند حدود الروم، ويمنع المسلمين من أن يقتحموا على الروم حدودهم في الجموع الكثيفة.
وما زال به عمرو بن العاص حتى انتزع منه الإذن بفتح مصر، فلما تم له الفتح واستطاع المسلمون أن يتجاوزوا مصر غربا إلى برقة وطرابلس وقفهم عند هذا الذي أتيح لهم، وحظر على معاوية أن يغزو في البحر، وكان معاوية شديد الحرص على أن يفتتح قبرص، ولكن عمر ألح في منعه حتى أنذره إن خالف عن أمره.
صفحه نامشخص