ومعنى ذلك أنه رد عليهم ما كتبوا، وأمرهم أن يعيدوا كتابة الديوان، وأن يرتبوا قريشا فيه على قرابتها من النبي، حتى إذا بلغوا موضع بني عدي من قرابة النبي وضعوهم.
ويقال: إن قوم عمر من بني عدي لما عرفوا ذلك أتوا عمر فكلموه فيه، وقالوا: إن أبا بكر خليفة رسول الله، وأنت خليفة أبي بكر، فهلا تركت الديوان كما كتبه أولئك النفر؟! فقال لهم عمر: بخ بخ يا بني عدي! أردتم الأكل على ظهري وأن أذهب حسناتي لكم؟! لا والله حتى تبلغكم الدعوة وإن أطبق عليكم الدفتر. يريد: حتى يصل إليكم القوم على قرابة من رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فيضعوكم حيث وضعكم الله.
ولم يكن إشفاق عمر من أن يذهب طيباته في حياته الدنيا هو وحده الذي كان يفرض عليه هذه الشدة على نفسه وأهله، وإنما كان هناك شيء آخر لم ينسه عمر قط، وإنما كان يستحضره دائما وهو ما قدر للنبي من العيش، فقد كانت حياة النبي
صلى الله عليه وسلم
شديدة، وكان ضيقها ربما جهد النبي واضطره إلى الجوع، وكان النبي يلقى هذه الحياة متجملا غير ضيق بها ولا كاره، يأكل حين يتاح له الطعام، ويصوم حين لا يجد ما يطعم.
ولم تكن حياة أبي بكر أثناء خلافته رقيقة ولا لينة، وإنما كانت إلى الخشونة والشظف أقرب منها إلى الرقة واللين، وكان عمر يستحضر هذا دائما ويكره أشد الكره أن يأكل أو يلبس خيرا مما أتيح للنبي وأبي بكر، وكان حين كثر المال وحين كان يرى ما يحمل إليه من الفيء ومن الخراج، يذكر فقر النبي وخليفته فيبكي حتى تختلف أضلاعه، وربما أبكى من حوله من أصحاب النبي. وقد رفق به بعض أصحابه من المهاجرين فكلموا حفصة أم المؤمنين في أن تشير على عمر بأن يلين من عيشه، فقبلت منهم حفصة وكلمت أباها في ذلك، فقال لها: نصحت قومك وغششت أباك. ثم جعل يذكرها بشدة العيش وضيقه على النبي
صلى الله عليه وسلم
حتى أبكاها.
صفحه نامشخص