صلى الله عليه وسلم
عنه، وكان أبغض شيء إليه أن يحس الجفاء من ذي قرابة للنبي، فلما طلبت فاطمة - رحمها الله - إليه ما كانت ترى أنه حقها من ميراث أبيها؛ وجد نفسه بين شيئين كلاهما عسير عليه أشد العسر؛ فإما أن يعطي فاطمة ما طلبت فيخالف عما أمر رسول الله، والموت أهون عليه من هذا، وإما أن يمنعها ما طلبت فيؤذيها، وأشد الأشياء كراهة إليه أن يؤذيها؛ فهي بنت أحب الناس إليه وأكرمهم عليه وآثرهم عنده.
ومع ذلك فقد غلبت طاعته لرسول الله كل عاطفة أخرى في نفسه، فأبى على فاطمة ما طلبت، واعتذر إليها من هذا الإباء، وبكى وأمعن في البكاء؛ لأن قرابة رسول الله أحب إليه من قرابته، ولكنه سمع النبي يقول ما قال، فلم يسعه أن يغضب الله ورسوله ليرضي فاطمة على بره بها وإيثاره إياها.
وما أشك في أن الأشهر الستة التي عاشتها فاطمة بعد أبيها
صلى الله عليه وسلم
قد ملأت نفس أبي بكر كآبة وحزنا؛ لأن فاطمة هجرته ولم تكلمه حتى توفيت، وما أشك في أن أبا بكر لم يمتحن بشيء كان أشق على نفسه من وفاة فاطمة مغاضبة له، ومن دفنها ليلا على غير علم منه، وحرمانه أن يشهد جنازتها، ويصلي عليها ويبرها بعد وفاتها بما كان يجب لها من البر، ولكن الله يمحص قلوب المؤمنين الصادقين بالشدائد التي يمتحنهم بها في حياتهم العامة والخاصة جميعا ، وقد امتحن أبو بكر بهذه المحنة العامة حين ارتد العرب، وتعرض المسلمون لما تعرضوا له من الخطر العظيم، وامتحنه بهذه المحنة الخاصة حين اضطره إلى أن يرضي الله ورسوله ويغضب فاطمة، مع أن غضبها عليه ثقيل.
7
وأعود إلى موقف أبي بكر من الردة فهو يجلو خصلتين متناقضتين أشد التناقض، من خصال أبي بكر فيما يظهر، فقد كان أبو بكر منذ أسلم معروفا بلين الجانب، ورقة القلب، والرحمة للضعفاء والمكروبين، وخلقه هذا هو الذي حمله على أن يشير على النبي
صلى الله عليه وسلم
بالرفق في أمر الأسارى بعد وقعة بدر.
صفحه نامشخص