صلى الله عليه وسلم
كغيره من أصحابه، فلم يظهر من خصائصه وخصاله في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم
إلا ما بينت آنفا من حبه للنبي ومواساته له بنفسه وماله، ومن بره بالمسلمين ومواساته لهم بنفسه وماله أيضا.
وقد آثره النبي بحبه حتى كان أحب الرجال إليه، وأحبه المسلمون أيضا وآثروه ورأوا النبي يقدمه على غيره فقدموه على أنفسهم، ولكنه بعد أن تمت له البيعة نظر فإذا هو قد طوق عظيما من الأمر لا قوة له عليه إلا بمعونة الله ومعونة المسلمين وخيارهم من أصحاب رسول الله خاصة.
وقد أشفق أن ينتظر المسلمون منه أو أن يكلفوه أن يسير فيهم سيرة النبي
صلى الله عليه وسلم ، فأعلن إليهم أنه لا يستطيع ذلك، وطلب إليهم ألا ينتظروه منه، ثم أعلن إليهم كذلك أنه ليس إلا واحدا منهم وأنه ليس خيرهم، وسألهم أن يعينوه إن أحسن، وأن يقوموه إن أساء، والتزم أمامهم بطاعة الله ورسوله فيهم، وأبرأهم من السمع والطاعة له إن عصا الله ورسوله، وأعطاهم العهد على أن يكون الضعيف عنده قويا حتى يأخذ له الحق، وأن يكون القوي عنده ضعيفا حتى يأخذ الحق منه، ثم أنبأهم بأنه متبع وليس بمبتدع، وكان لهاتين الكلمتين في نفس أبي بكر حين ألقاهما إلى المسلمين، وفيما أتيح له من الحياة بعد ذلك موقع أي موقع، فكان يتحرى جهده ما فعل رسول الله فيفعله، ويتحرى ما ترك رسول الله فيتركه، وكان يرى أول واجب عليه ألا يدع من أمر رسول الله شيئا إلا أنفذه مهما تكن الظروف ومهما تكن العواقب.
ومن أجل ذلك كان أول شيء صنعه بعد أن تمت له بيعة المسلمين أن أمر من نادى بين الناس بأنه منفد جيش أسامة إلى حيث أمر رسول الله أن يمضي، وطلب إلى كل من كان في جيش أسامة من المسلمين أن يخرج إلى المعسكر.
وكانت الظروف شديدة الحرج بعد وفاة النبي، فلم يضطرب المهاجرون والأنصار وحدهم لفراق النبي لهم، وإنما اضطرب العرب كلهم لذلك، وكان بين اضطراب المهاجرين والأنصار، واضطراب سائر العرب وأهل البادية منهم خاصة فرق أي فرق، فما أسرع ما ثاب المهاجرون والأنصار إلى أنفسهم! وما أسرع ما عرفوا الحق فأذعنت له نفوسهم واطمأنت إليه قلوبهم حين تلا أبو بكر عليهم ما تلا من القرآن كما رأيت!
فأما سائر العرب فقد كان اضطرابهم أعظم من ذلك خطرا وأبعد أثرا؛ لأن المهاجرين والأنصار كانوا قد أسلموا وآمنوا وصدق إسلامهم لله وإيمانهم به، وأما أهل البادية من الأعراب فكانت ألسنتهم قد أسلمت ولم تؤمن قلوبهم كما قرأت في الآية الكريمة من سورة الحجرات آنفا.
صفحه نامشخص