صلى الله عليه وسلم
طلب إلى عائشة في مرضه الذي قبض فيه أن تدعو أخاها عبد الرحمن ليكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف الناس معه عليه، ثم عدل عن ذلك وقال: دعيه، فلن يختلف الناس على أبي بكر.
وقوم آخرون يزعمون أنه لم يسم أبا بكر ولم يسم عبد الرحمن، وإنما أراد أن يكتب لأصحابه كتابا لا يضلوا بعده، فاختلف من كان عنده ذلك الوقت من أصحابه، أراد بعضهم أن يكتب، وأبى بعضهم، وقال - وهو عمر فيما يروى: «إن الوجع اشتد برسول الله وعندنا كتاب الله.»
وقد بينت في غير هذا الموضع أني أشك كل الشك في هذا كله، وأكاد أقطع بأنه مما تكلفته الفرق السياسية بأخرة، ولو قد عزم الله لرسوله على أن يوصي لأبي بكر أو لغيره لما صرفه عن ذلك أحد.
ومهما يكن من شيء فقد قبض النبي
صلى الله عليه وسلم
ولم يوص لأحد لا لأبي بكر ولا لغيره، ولو قد أوصى لأبي بكر لما كانت سقيفة بني ساعدة، ولما خالفه الأنصار عن وصية رسول الله، ولو قد أوصى لعلي لكان أبو بكر أسرع الناس إلى بيعته، فكيف وقد اجتمع المسلمون من المهاجرين والأنصار على بيعة أبي بكر، إلا ما كان من شذوذ سعد بن عبادة وامتناعه عن البيعة.
وقد بايع علي - رحمه الله - أبا بكر، وعمر من بعده وعثمان من بعدهما، ولو قد علم أن النبي قد أوصى له لجاهد في إنفاذ أمر النبي ولآثر الموت على خلاف هذا الأمر.
والواقع - فيما أرجح - أن الرواة أسرفوا على أنفسهم وعلى الناس، بعد انقسام المسلمين فيما أثير من الفتنة بقتل عثمان رحمه الله، فلم يخلصوا أنفسهم للصدق في الرواية، ولم يتحرجوا من أن يصوروا أمر المسلمين إثر وفاة النبي كما كان أمر المسلمين في أيامهم. وأيسر النظر في كتب التاريخ القديمة، وفي كتب المتكلمين القدماء يبين لنا أن المسلمين انقسموا بأخرة في بيعة أبي بكر، كما انقسموا في أشياء كثيرة غيرها انقساما شديدا، فقد أكثر المتكلمون الجدال في أمر أبي بكر وعلي رحمهما الله، فكان البكريون يزعمون أن أبا بكر أفضل المسلمين وأحقهم بخلافة النبي
صلى الله عليه وسلم
صفحه نامشخص