وعاد إلى المدينة في صحبة عمر، وفي ذات يوم أنبأ عمر أنه سيموت شهيدا، قال عمر: أنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب؟! ولكن كعبا أصر على ذلك، فيقال إن عمر قال: يأتي بها الله أنى شاء.
ودخل عمر يوما على زوجه أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي، فلما سألها عن بكائها قالت: هذا اليهودي كعب الأحبار يقول إنك في النار، فلما خرج عمر ورأى كعبا هم أن يسأله، فبشره كعب بالجنة، فقال عمر: ما شاء الله! مرة في الجنة ومرة في النار، ما هذا؟! قال كعب: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، والله إني لأراك في التوراة - أو قال: في الكتب - قائما على باب جهنم تمنع المسلمين أن يتهافتوا فيها.
وجاءه آخر الأمر ذات يوم، فقال له: إنك مقتول بعد ثلاث. فلم يحفل عمر بما قال، فلما كان من الغد قال له: ذهب يوم وبقي يومان. فلم يلتفت عمر إليه، فلما كان من غد جاءه، فقال له: مضى يومان وبقي يوم. فلم يأبه عمر له. والغريب أنه لم يسأله عن مصدر علمه بذلك، ولم يسأله أحد من المسلمين عن مصدر علمه ذلك بعد مقتل عمر، وأشد من ذلك غرابة أن الرواة يزعمون أنه دخل على عمر بعد أن طعن، فقال له:
الحق من ربك فلا تكونن من الممترين .
ألم أقل لك إنك تموت شهيدا؟! فكنت تقول: أنى لي الشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة العرب؟! فسكت عنه عمر أيضا.
وإذا كان كل ما روي عن كعب بشأن موت عمر صحيحا، فلست أشك في أنه كان على علم بما دبر أبو لؤلؤة أو بما دبر الذين اشتركوا مع أبي لؤلؤة في الإعداد لهذه الجريمة.
وقد قال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إنه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يتناجون؛ فلما رأوه قاموا، فسقط بينهم خنجر له طرفان ونصابه في وسطه، فسألهم عبد الرحمن بن أبي بكر: ما تصنعون بهذا الخنجر؟ قالوا: نقطع به اللحم!
وسمع عبيد الله بن عمر مقالة عبد الرحمن، فقال له: أنت رأيتهم؟ قال: نعم. ونظر القوم في الخنجر الذي قتل به عمر فإذا هو كما وصف عبد الرحمن. هنالك ثار عبيد الله بن عمر فأسرع إلى سيفه فتقلده، ومضى لا يلوي على شيء حتى أتى الهرمزان، فقال له: قم معي وانظر إلى فرس لي، فقام الهرمزان وتأخر عنه عبيد الله شيئا، ثم علاه بالسيف.
ويقول الرواة: إن الهرمزان حين أحس حر السيف قال: لا إله إلا الله. ولست أدري أي الرواة كان معه حين ذاك، ومضى عبيد الله حتى أتى جفينة فقتله، ولما أحس جفينة حر السيف صلب بين عينيه، فيما زعم الرواة، وأكبر الظن أنهم رووا ذلك عن عبيد الله بأخرة، ومضى عبيد الله حتى أتى بيت أبي لؤلؤة، فقتل صبية كانت له تزعم أنها مسلمة.
وكان أصحاب النبي
صفحه نامشخص