محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
ژانرها
ولعمري إنه لموقف مشرف، وإنه لدليل على أن الروح القومية السليمة كانت قويمة صحيحة في الأمة العربية منذ آنذاك، على الرغم من محاولة الدولة العثمانية تفكيكها، فأية علاقة بين نصارى اليونان الثائرين على الدولة العثمانية، وبين نصارى العرب العائشين في الشام، المحافظين على حقوق المواطن الصالح! ولكنه منطق الظلم والفوضى، ولا شك في أن هذا العمل كان بذرة من بذور الانبعاث القومي العربي؛ فقد رأى العرب المسلمون في هذه الديار فساد خطة الأتراك وسوء إدارتهم، فتركزت في نفوس الواعين منهم - على الأقل - فكرة التخلص من الظلم التركي، وإنقاذ البلاد العربية الرازحة تحت عبئه من تلك الحالة الشاذة؛ وكانت أولى الانتفاضات ثورة أهالي دمشق على واليهم التركي سليم باشا في سنة 1247ه؛ حين قدم إليهم من الباب العالي وأخذ يعاملهم بقسوة وعنف، بعد أن قاسى منه أهل حلب قسوة وعنفا شديدين، وما أن وصل إلى دمشق حتى زاد الضرائب والمكوس، واحتقر الوجوه والأعيان، وضرب العامة فعزموا على الفتك به وبجنده، وتجمهروا متظاهرين عليه، ثم حصروه في قصره وضيقوا عليه فاضطر إلى أن يلجأ إلى القلعة، ثم أمر بإحراق دار الحكومة ليشغل الناس عن محاصرته ويستطيع النجاة بنفسه، فلم يأبهوا للحريق، واضطر إلى أن يقذف عليهم نيران المدافع من القلعة فهلك عدد كبير منهم، ثم لجأ هو إلى بيت القاضي الشرعي، فهاجم الناس البيت واحتلوه وقتلوا الوالي، وألفوا من بينهم حكومة محلية تدير شئون البلاد.
هكذا كانت حالة ولاية دمشق، ولم تكن حالة سائر ولايات الشام أو غيره من أجزاء العالم العربي أحسن وضعا؛ ولذلك تداعى العقلاء وأهل الحكمة والوعي ، إلى العمل في كافة الحقوق المؤدية إلى إثارة القومية الصحيحة، والإصلاح العام، والتوجيه المستقيم، لا في السياسة وحسب، بل في التعليم والأدب والاجتماع والإصلاح.
أما التعليم والأدب فقد كان أول المجالات التي ابتدأ فيها الإصلاح؛ ففي القرن السابع عشر نبغ في حلب المطران جرمانوس فرحات (1670-1732م) العالم المصلح الذي رأى فساد اللغة العربية، فعمل على إصلاحها والتأليف فيها، وعرب الإنجيل تعريبا صحيحا مسجوعا، عرف الكنيسة فصاحة لغة العرب، ووضع معجما صغيرا سماه «الإعراب عن لسان الأعراب»، وأوجد أول مجمع علمي لغوي في حلب، انتخب له نخبة من علماء حلب الدينيين والمدنيين، الذين انصرفوا إلى الترجمة والنقل، وكانوا يعرضون عليه نتاجهم فينقحه، وأخذ يسعى في جمع المخطوطات العربية، وبذلك غدت حلب في عهده مركز الإشعاع الفكري في النهضة الحديثة، ومنها انتقل إلى لبنان وسورية، فظهر فيهما نفر من رجال الفكر أمثال: الشيخ أحمد عبد اللطيف البربير (1747-1811م)، وبطرس كرامة (1774-1851م)، وأمين الجندي (1756-1840م)، والشيخ ناصيف اليازجي (1800-1871م)، والشيخ يوسف الأسير (1814-1889م)، وأحمد فارس الشدياق (1804-1888م)، وبطرس البستاني (1819-1883م)، والشيخ إبراهيم الأحدب (1826-1890م)، والشيخ حسين الجسر (1845-1909م)، والشيخ حسين بيهم (1833-1881م)، والشيخ طاهر الجزائري (1850-1919م)، والشيخ عمر الأنسي (1821-1876م) ...
وليس ها هنا مجال البحث التفصيلي في التعليم والأدب.
وأما الاجتماع والإصلاح فقد نبغ أوائل القرن التاسع عشر نفر من المصلحين في سورية ولبنان رأوا سوء الحالة الاجتماعية التي كان عليها قومهم، فألفوا في الإصلاح آثارا كان لها وقعها، وتأثيرها في المجتمع العربي وهم: أحمد فارس الشدياق (1804-1888م) في مقالاته العديدة وكتبه الكثيرة، وأجلها «الفارياق» و«كشف المخبأ» و«كنز الرغائب».
وفرنسيس المراش (1826-1873م) في كتابيه «مشهد الأحوال» و«غابة الحق».
وسليم بطرس البستاني (1848-1884م) في رواياته الإصلاحية، سواء التي ترجمها، أو التي ألفها، أو في مقالاته التي ملأ بها جداول مجلته «الجنان».
وإبراهيم اليازجي (1847-1906م) في قصائده التوجيهية، أو في مقالاته القومية التي نشرها في جريدة «النجاح»، أو مجلة «الضياء».
وعبد الرحمن الكواكبي (1849-1902م ) في مقالاته الإصلاحية التي نشرها في «جريدة الشهباء» وفي كتابيه المشهورين «أم القرى» و«طبائع الاستبداد».
وأديب إسحق (1856-1885م) في مقالاته التي نشرها في «جريدة التقدم» أو رواياته الاجتماعية التي ألفها أو ترجمها أو في كتبه الاجتماعية.
صفحه نامشخص