وأصبو ولكن ما إليه وصول
ويخبرني قلبي بأن فؤاده
كما كان لكن يعتريه ذهول
ووالله ما يممت مصر وفوقها
يدانيه عندي صاحب وخليل
فشوقي إلى شوقي بقدر محبتي
وعندي حساب للعتاب طويل!
فما أجاب شوقي على هذا الخطاب لا بشعر ولا بنثر ولا بفعل، ولكنه بقي يقول لأحمد العريس إنه يريد أن يعمل لي حفلة تكريم، وفي أحد الأيام زارني الأخ خليل بك المطران؛ وهو من العقل وكرم الأخلاق ورعي الذمام بالمقام الذي يندر بين الإخوان، وكان يزيدني حبا له ما كان بيني وبين عمه حبيب باشا المطران من عيون أعيان سورية وبيني وبين أولاده ولا سيما ندره بك المطران من ذمام قديم وود متين، وكنت أعلم ما بين خليل وشوقي من المودة فكاشفته بما في نفسي من أمر شوقي، وقلت له: إنه لا شيء يمكنه أن يكدر صفو ما بيني وبين شوقي من المودة، ولكني أصبحت أستحي من الناس أن يعلموا بأني هنا من شهر وأن شوقي لم يتكرم بزيارتي والقادم يزار. فقال لي الخليل: لا يكن في نفسك شيء من هذه النبوة، فشوقي له من هذا القبيل الشيء الكثير، ولكننا نحن لا ينبغي أن نحمل ذهوله هذا على محمل الهجران.
اجتماع بعد انقطاع
وذهب الخليل وجاءني ثاني يوم، وقال لي لنذهب إلى أوتيل كونتننتال، فسرنا إلى هناك فإذا بشوقي ينتظرنا، فجلسنا نحن الثلاثة ساعتين من الزمن، وفي ذلك المساء كان تمثيل رواية صلاح الدين الأيوبي؛ لأجل ضم ريعها إلى الإعانات الخاصة بجرحى طرابلس الغرب، وكانت أقيمت سوق خيرية للغرض نفسه وأقبل الناس يشترون منها. وكان الشيخ علي يوسف سألني: أتريد في هذه الليلة أن تنشد شيئا من الشعر، فإنه يحتمل أن تتقدم الرواية قصائد تتلى على الجمهور؟ فقلت للشيخ علي: لا أرى نفسي هاتفة هذه الأيام بالشعر. وذلك أني كنت في كل صبيحة أكتب في المؤيد مقالة افتتاحية خمسة أو ستة أعمدة أكتبها قطعة وراء قطعة، ومرتب الحروف يصفها بينما أنا لم أنته منها. فرجحت في هذه المدة كفة النثر وأشالت كفة الشعر، وصرت أخشى أني إذا حاولت الشعر لا أبلغ منه درجة الإجادة، فلما اجتمعنا، الخليل وشوقي وكاتب هذه السطور، قال لنا الخليل: دعاني أن أتلو عليكما القصيدة التي هيأتها لهذه الليلة، فقرأ لنا قصيدة رائية مطلعها:
صفحه نامشخص