وإلا فما حاولت إدراك غاية
بشعري ولا نظم القصائد مقصدي
وهذا حرصا مني على ألا يفهم الخديوي رغبة مني في المكافأة، وفي هذا مني نظر إلى قول أحد شعراء الأندلس، وكان من أبناء البيوتات:
وما أنا بالباغي على الشعر رشوة
أبى ذاك لي جد كريم ووالد
وأني من قوم قديما وحادثا
تباع عليهم بالألوف القصائد
عفة لسان شوقي وبعده عن الهجاء
ولنعد إلى أوصاف شوقي الشعرية، فنقول: إنه وإن كان أسرف في المديح وفي مديح أمير بلاده خاصة، فلم يلوث شعره بالهجاء، ولم أسمع له قصيدة يهجو بها أحدا، قد عصمه الله من ذلك، فإن من أقبح ما قبح سمعة الشعراء وجعل الخلق ينظرون إليهم بشيء من الريبة، أن كثيرا منهم رتعوا في لحوم الناس وسيروا المثالب التي قد تكون بلا أصل، أو يكون لها أصل ضعيف ولكن الناس حفظوها وتدارسوها لبداعة قوالبها خلفا عن سلف، حتى انتهى الأمر بأن صدقوا فحواها وصارت في نظرهم وقائع تاريخية. فلو كان شوقي شتاما مقذعا مع ما أوتي من الإجادة لكان ثلم أعراضا وخلد مقابح وأورث أحقادا وقيد فضائح، وكان هجا نفسه بهجوه لغيره، وما أصدق هذه الجملة: الإناء ينضح بما فيه. فعفة لسان شوقي وتنكبه طريقا طالما سلكها شعراء كبار وصغار ومتوسطون هذا دليل على زكاء طبعه وفرط حيائه وأيضا رجاحة عقله وأصالة رأيه، فكم أحدث الشعر من فتنة وأراق من دم وأحرج من جماعة وحرم العالم من نعمة، وأية نعمة كانت أعظم من شعر المتنبي الذي كانت حياته كلها أقوالا عبقرية آخذا بعضها برقاب بعض، ولكنه برغم جميع حكمه الاجتماعية وآرائه الفلسفية لم يتنبه إلى ما في الهجو من الاستهداف للمقت والتعرض للهلكة، فقال من الأقوال الصغار ما يخالف تلك الحكم التي تفرد بها وأسف في الهجو إسفافا يحار العقل لصدوره من مثله، وانتهى بأن ذهب فريسة إقذاعه، وكل يعلم أن قصيدته المسخوطة التي أولها:
ما أنصف القوم ضبه
صفحه نامشخص