نسوا الله فأنساهم أنفسهم . فليستعن الإنسان ربه وليوقظ نفسه ويحركها دائما ويعرضها لتلقي معاني الجمال والحق والخير، ويسقها إلى العمل ويحببه إليها حتى تعشقه فتستقيم على الطريقة، مجتازة مراحل بعد أخرى إلى الغاية التي يعلمها الله.
الأربعاء 5 صفر/15 نوفمبر
سجلها واسترح
للإنسان أعمال كثيرة، وللأعمال أوقات لا ينبغي أن تقدم عليها ولا تؤخر. والعامل المجد البصير بوسائل النجح يقسم أعماله إلى أوقات، ويجعل لكل عمل موعدا، ويوقت لصلاته بالناس مواقيت يلقاهم فيها أو يكاتبهم أو يحدثهم بالهاتف.
ومن الناس كثير النسيان يغلب نسيانه على ذكره، ومنهم من يعدل ذكره نسيانه، ومنهم من لا يكاد ينسى. والفريقان الأول والثاني حتم عليهما أن يجعلا لأوقاتهما وأعمالهما سجلا يذكر بكل عمل في وقته، فإن لم يفعلا نسيا العمل في وقته، والموعد في حينه، واضطربت الأعمال والمواعيد.
والآخرون يثقون بتذكرهم، ويتحدثون بأنهم لا ينسون أعمالهم في مواقيتها، ويحسبون أنهم في غنية عن اتخاذ المذكرات ثقة بأنفسهم. ولهؤلاء أقول: إن الذاكرة مهما تكن قوية جديرة بالثقة، عرضة للنسيان، والورق أوثق منها لا محالة، ولو لم تكن عرضة للنسيان فالتذكر شغل يراقبه صاحبه بين الحين والحين ويبعد عنه النسيان ويخشى أن يطرأ عليه. فلماذا لا تريحون خواطركم، وتعفون عقولكم من القلق وتضعون الأحمال عنها في ورقة تكفل لكم الذكرى في غير مشقة ولا خوف، فإن ذكركم مهما قوي واستحكم، لا يسلم من الغلط والسهو، ولا يبلغ مبلغ التسجيل في ترتيب الأعمال وتقسيمها، ولا سيما حين تكثر الأعمال وتزدحم بها الأوقات. فعودوا أنفسكم التسجيل والترتيب، واتخذوا هذه الدفاتر المذكرة فهي أسلم عاقبة، وأخف حملا وأقرب إلى الطمأنينة والثقة. ولا يغرنكم ما عهدتم في أنفسكم من الذكر فإن اختلاف النهار والليل ينسي.
الخميس 6 صفر/16 نوفمبر
قسوة العقائد والعادات
ليست قسوة القوي على الضعيف، والقادر على العاجز شيئا لو قيست بقسوة العقائد والعادات في الجماعات. فالمرأة التي كانت تحرق نفسها حين يموت زوجها، والإنسان الذي يسلم نفسه لكل مذلة، ويقبل السخرة لكل دنية؛ رضا بما علم، واستسلاما لما أسلم إليه، قست عليهما عقائد فقبلا عذاب الموت وعذاب الحياة كأنهما راضيان يختاران الموت، والموت اضطرار كما يقول المتنبي.
والمرأة التي لا تخرج من دار أبيها إلا إلى دار زوجها أو القبر، ولا تخرج من دار زوجها إلا إلى القبر أو عائدة إلى دار أبيها، والتي يبطش بها زوجها أو أهلها فلا تشكو ولا تفر، قد قست عليها العادات، ولكنها فقدت من قسوتها الشعور بالألم: ما لجرح بميت إيلام!
صفحه نامشخص