125

هم كالذين يسميهم الفقهاء مجتهدي المذهب، يجتهدون في دائرة محدودة، ويجولون في أرض محجرة، كما يجتهد فقهاء الحنفية في مذهب أبي حنيفة وفقهاء الشافعية في مذهب الشافعي، وليس فيهم كالشافعي ولا كأبي حنيفة.

وعامة الناس وسوادهم ودهماؤهم وجمهورهم، يتبعون من يدعوهم، ويأتمون بمن يؤمهم ويسيرون وراء كل راية إلى كل غاية. هم أتباع كل ناعق، وقطعان كل سائق، وهم كانوا في كل عصر مطمع الساسة، وملاذ الدعاة. وهؤلاء الضعفاء الجهلاء عيال الله، ووديعته عند الأقوياء بعلمهم وعقلهم، والتبعة فيهم عظيمة، والمؤاخذة بهم شديدة. فمن أضلهم لينال بهم مأربه أو عرضهم للهلاك أو العنت ابتغاء مطامعه، فإثمه كبير، وعذابه أكبر.

الأربعاء 8 ذي الحجة/20 سبتمبر

صعوبة الرقي وبطؤه

يستطيع الإنسان أن يبدل زيه فورا، ويستطيع أن يغير داره وأثاث داره، وربما يرزق الغني فيغير ملبسه ومسكنه ومركبه وأصحابه.

ويسير أن تبني جماعة القصور والمساجد والمدارس، وتشق الطرق، وتستعمل سكك الحديد والسيارات والطائرات وآلات البرق والهاتف، وكل ما أخرجت الصناعة والعلم في هذا العصر، فيتبدل ظاهر المدن ومظاهر العمران.

يستطيع الوحدان أن يغيروا ظواهرهم فورا، وتستطيع الجماعات أن تغير مظاهرها سريعا. ولكن عسيرا بطيئا أن يغير الوحدان والجماعات أنفسها، وأن ترقى أو تتقدم في باطنها.

إن الترقي بطيء في الطبيعة. سل العلماء الطبيعيين وعلماء الحيوان عن آلاف السنين تمضي لتبدل الأرض طبقة بطبقة، أو يرتقي الحيوان من حال إلى حال! والترقي في نفس الإنسان الواحد ليس على هذه السنة، ولكنه صعب بطيء على كل حال. فربما يمضي الإنسان سنين وهو يحاول أن يكمل نفسه بخلق يكسبه أو أدب يتحلى به، أو عاطفة يهذبها. وربما تمضي الجماعات عشرات السنين، وهي تعالج داء من أدوائها، أو عيبا من عيوبها، لتخطو في سبيل الإصلاح خطوات، أو تسير إلى الكمال مراحل، ثم لا يتيسر لها ما تريد، وربما رجعت القهقرى واستشرى بها الداء وأعجزها الدواء.

إن للنفوس سرائر، وللجماعات أسرارا. وليس هينا أن تعرف السرائر والأسرار حق المعرفة، وليس هينا أن يكمل الفرد أو الجماعة وإن عرفت أسرارها وسرائرها. فليعرف هذا من لم يعرفه، ولينظر القوام على الأمم كيف يخطون للتقدم، ويصابرون حتى يظفروا به.

الخميس 9 ذي الحجة/21 سبتمبر

صفحه نامشخص