على أن ما هو أقرب صلة بموضوعنا، عقيدة المصري في الخلود؛ فها هو ذا النيل يغيض ثم يفيض بالحياة، وها هو ذا النبات يذبل ويذوي مع الخريف والشتاء، ثم يحيا ويزدهر مع الربيع والصيف، أفيكون الخلود مكتوبا للماء والنبات ولا يكتب للإنسان؟ كلا! بل إنه ليعود إلى الحياة بعد موت، يعود ليحيا حياة الخلود في فردوس السماء، على شريطة ألا يكون قد اقترف في حياته من الإثم ما يستلزم بقاء جسده في قبره ظمآن جائعا، ولقد أعد مركب للصالحين يعبر بهم إلى حيث الجنة الأبدية، لكن أحدا من الناس لا ينزل هذا المركب إلا بعد حساب يؤديه له «أوزيريس» بميزان، فيضع قلبه في كفة، ويضع ريشة خفيفة في الكفة الأخرى، حتى إذا ما تعادلا كان جزاؤه العبور إلى جنة الخلد ... فماذا تكون هذه الصورة إذا لم تكن من لمسة الفنان؟
واستمع إلى هذا الدعاء يخاطب به الإنسان قاضيه الإلهي عند لقائه - وهو من المجموعة الكبيرة من الأدعية والصلوات والتعاويذ التي يطلق عليها اسم «كتاب الموتى»:
يا من يكمن في كل خفايا الحياة،
ويا من يحصي كل كلمة أنطق بها،
انظر! إنك تستحي مني، وأنا ولدك،
وقلبك مفعم بالحزن والخجل؛
لأني ارتكبت في دنياي من الذنوب ما يفعم القلب حزنا،
وقد تماديت في شروري واعتدائي،
فعفوك اللهم عفوك،
حطم الحواجز القائمة بيني وبينك،
صفحه نامشخص