شارل وعبد الرحمن

جرجی زیدان d. 1331 AH
143

شارل وعبد الرحمن

شارل وعبد الرحمن

ژانرها

قال: «كلا يا مولاي ولكنني عائد إلى معسكر أود بأمر السيدة سالمة فهل من رسالة؟»

قال عبد الرحمن: «هل أمرتك بالرجوع؟»

قال: «نعم لعلها تطلع على أمر يهمكم من هذا القبيل فتبعثني به.»

فقال عبد الرحمن: «بلغها سلامنا وقل لها إننا حافظون لها هذا الفضل.»

فنهض رودريك واستأذن وخرج، ثم خرج الترجمان ومكث عبد الرحمن وهانئ برهة يتداولان في أمر الجيش، فقررا الإسراع في الهجوم ما أمكن قبل أن يستعد الإفرنج للدفاع وفي اليوم التالي بعد صلاة الفجر نفخ في النفير فاجتمعت جيوش المسلمين، فجعل عبد الرحمن المشاة في الوسط والفرسان في الجناحين، وجمع الأمراء على اختلاف قبائلهم، فجاءوا على خيولهم وعلى رءوسهم العمائم مكان الخوذ وقد تقلدوا السيوف، فوقف عبد الرحمن أمامهم موقف الخطيب وقال: «اعلموا أيها الأمراء أننا قطعنا أكيتانيا كلها والظفر حليفنا، ولما يئس عدونا من الفوز استنجد بعدوه صاحب أوستراسيا وقد جاءنا بجنده وكفانا مئونة الذهاب إليه وهذا معسكره وفيه كل قواته، والذي نصرنا على صاحب أكيتانيا سينصرنا عليه، وقد علمنا أنه أضعف منا عددا وعدة والنصر موقوف على الصبر، فاصبروا وتكاتفوا ينصركم الله، فتفتحون بلادا طالما تشوق المسلمون لفتحها، ويتم على يدكم ما وعد الله نبيه من فتح العالم، فيكون لكم الفخر ويخلد لكم الذكر مدى الدهر، وأنا واثق من أنكم فاعلون بإذن الله، والله مع الصابرين.»

ولما فرغ من كلامه تقدم هانئ على أدهمه وعلى وجهه أمارات البشر وقال وهو يبتسم: «إن هذا اليوم يوم الموعد العظيم سنناله بالصبر والجلد، يكفينا سعادة أننا وقفنا إلى أمر طالما تحسر أسلافنا لعدم الوصول إليه وسيحسدنا عليه الذين سيخلفوننا ويتمنون لو شاركونا فيه بدمائهم وأعناقهم، وسترونني وأنا أضعفكم عزيمة وأقلكم بسالة باذلا نفسي في سبيل الله، فإذا فزنا فتحنا عالما جديدا وإذا استشهدنا في الجهاد، فذلك خير لنا عند الله.» قال ذلك والعرق يتصبب من تحت عمامته والحماس باد في كل جارحة من جوارحه.

ثم قال عبد الرحمن: «فعليكم أيها الأمراء أن تستحثوا رجالكم وتوصوهم بالصبر والثبات، وأخبروهم بالفخر الذي سينالونه بحد سيوفهم فضلا عن الغنائم فإنها أضعاف ما نالوه حتى الآن.» ثم تلا من آيات القرآن ما يزيدهم حماسا وشجاعة، فتقدم كبير أمراء البرابرة وقد تحمس خصوصا بعد أن سمع بكثرة الغنائم وقال: «لا يخفى على مولانا الأمير أن جند البربر من أشد جنود المسلمين بطشا وأكثرهم ثباتا في ساحة الحرب، وكلهم من الرماة الماهرين فاجعلوهم في المقدمة.»

فأراد عبد الرحمن تشجيعهم فقال: «نفعل ذلك.» وأمر أن يتقدم البربر بأقواسهم، وبعدهم العرب والفرسان في الجناحين. •••

وكان شارل من الجهة الثانية يتأهب لمهاجمة المسلمين، والمخابرات جارية بينه وبين أود، في كيفية التعاون على ذلك، ولكنه لم يكن يتوقع هذه السرعة فلما أخبرته الطلائع باصطفاف المسلمين للحرب رتب جنوده صفوفا متلاصقة بشكل الكتائب، فأصبحوا كأنهم سور من الرجال وأكثرهم من الجنود المحنكة، وقد حاربوا تحت راية شارل غير مرة، فوقفوا موقف الدفاع، والرماح ناتئة من بينهم صفوفا بعضها فوق بعض لتمنع العرب من اختراق ذلك السور المتين.

الفصل السابع والسبعون

صفحه نامشخص