وكان الاعتقاد قبل لامرك أن الأنواع ثابتة لم تتغير عن الصورة التي خلقت بها، ولن تتغير. قال لينيوس أعظم نباتي القرن الماضي ما نصه:
الأنواع بقدر الصور الحية المخلوقة في الأصل.
على أنه وجد في كل زمان من الفلاسفة والعلماء من قال أنه ربما كانت الصور الحاضرة آتية من صور سابقة على سبيل التحول، إلا أن ذلك لا يجوز اعتباره إلا من قبيل الرأي فقط؛ لخلوه من كل مستند طبيعي. والفضل الصحيح للامرك وحده الذي كان فيلسوفا وطبيعيا معا لما بسطه من هذا القبيل في كتابه «فلسفة الحيوان» (سنة 1809)، وكتابه «تاريخ الحيوان العديم الفقر» (سنة 1815)، فإنه أوضح فيهما ببراهين طبيعية عدم ثبوت الأنواع واشتقاقها بعضها من بعض من أدناها إلى أعلاها، وارتقاءها بالتحول التدريجي.
وهو يذكر لهذا النمو عدة أسباب، كالعادة والضرورة وجنس المعيشة والثفن؛ أي استعمال الأعضاء وعدمه، والتصالب، وفعل الأشياء الخارجية والوراثة التي يجعلها في المقام الأول. ويعتقد ناموس الارتقاء التدريجي، ويقول بالتولد الذاتي في الأجسام الحية الدنيا، وأكثر اعتماده على استعمال الأعضاء وعدمه، وعلى العادة والضرورة كما يظهر من الأمثلة التي يذكرها. ولا بأس من تفصيل بعض ما جاء به من هذا القبيل؛ لتبيان النسبة بينه وبين دارون من جهة ما يتفقان ويختلفان.
فهما وإن اتفقا من حيث مصدر الأنواع إلا أنهما يختلفان في كيفية حصول ذلك، ونظر دارون من هذا القبيل أصح؛ فإن لامرك - لاعتماده على العادة والضرورة وجنس المعيشة - عنده أن الجسم يوفق للأحوال الخارجية ولاحتياجاته بقوة نفسه، وأما دارون فبالضد من ذلك يجعل التوفيق المذكور من فعل الأشياء الخارجية فيه لا عن استعداد فيه لقبوله. ولا تخفى أهمية الفرق بينهما؛ لأن قول لامرك فيه تقييد ومذهب دارون أعم، وقلما يعتبر لامرك فعل الزمان الذي يجعله دارون من أهم العوامل. ولا بأس من إيراد بعض الأمثلة من لامرك لزيادة الإيضاح.
قال: إن الخلد ليس له عينان أو هما أثر فيه؛ لأنه لسكنه دائما تحت الأرض هو في غنى عنهما وعن النور. وقد توسع حتى قال أنه إذا ربطت إحدى عيني الطفل ينتهي إلى أن يصير ذا عين واحدة فقط، وإذا تكرر ذلك عدة أجيال يتكون نسل أعور.
وإن الأفاعي إنما كانت ذات شكل مستطيل وجسد ملس لا أعضاء له؛ لأن ضرورة مرورها في مسالك ضيقة والعادة اقتضتا ذلك.
وشكل الحيوانات الرخوة البحرية الخاص واحتواؤها على مماسك طويلة؛ نتيجة جنس معيشتها ومحاولتها إمساك فريستها.
والطيور المائية كالبط إنما كان لها غشاء بين أصابعها؛ لاحتياجها إلى العوم واعتيادها له.
واللقلق الذي يعيش بقرب الماء إنما كان طويل العنق والمنقار والرجلين قويهما؛ لأنه في التقاطه غذاءه من الماء يحاول عدم الوقوع فيه.
صفحه نامشخص