بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
الحمد الذي ابتدأ الوجود بإحسانه، وشمله بفضله وامتنانه، فخلق وصور وحكم ودبر، وقضى وقدر، وأرشد ويسر، ثم هدى وأضل، ووفق وخذل، وتفضل في ذلك وعدل، لا يسأل عما يفعل، أحمده وأشهده، وأستعينه وأستغفره، وأسأله العافية والتيسير، والفتح فيما أؤمله من كتب وتقرير، وأصلي على سيدنا محمد المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار، وأسلم عليه وعليهم كذلك، والحمد لله على ذلك.
أما بعد:
فإن العلم أفضل الأعمال، والتفقه في الدين أساس كل كمال، وإن رسالة ابن أبي زيد شهيرة المناقب والفضائل، غزيرة النفع في الفقه والمسائل، من حيث أنها مدخل جامع للأبواب، قريبة المرام في الكتاب والحفظ والاكتساب، وقد اعتنى بها الأوائل والأواخر، وانتفع بها أهل الباطن والظاهر، حتى صارت بحيث يهتدي بها الطالب المتبدئ ولا يستغني عنها الراغب المقتدي، ولم تزل الناس يشرحونها على مر السنين والدهور، والعلماء يتداولونها ويتأولون ما فيها من مشكل الأمور، نحوًا من خمسمائة سنة، ولم تنقض لها حرمة، ولا طعن فيها عالم معتبر في الأمة، مع ما فيها من عظيم الإشكال، ودواعي الإنكار من الحساد والإشكال، وهذه كرامة من الله لا تنال بالأسباب.
ومثله ما يذكر من أن من التزمها علمًا وعملًا فتحت له أبواب، فكان ذا أربعة أو أحدها أو اثنين أو ثلاثة:
أحدها: علم حاصل؛ أو مال واصل، أو صلاح كامل، أو جاه فاضل حسبما استقرئ ذلك في الغالب، وأخذ من كلامه بعض المطالب، وسنذكره في محله إن شاء الله تعالى وما ذاك إلا لإرادة وجه الله، ودوام اللجأ إلى الله، فقد حكي أنه كان يجعلها في محرابه الذي يصلي فيه ليلًا ويدعو الله أن يجعلها مكان عقبه؛ لأنه لم يكن له عقب، فلم تزل تتلى حتى لقد ذكر أنها منذ وجدت إلى الآن تخرج لها في كل مكان سنة شرح وتبيان.
إما من عالم كبير أو من نحرير، أو ممن هو مثلي فقير حقير، فوضعت هذه العجالة بحسب الوسع والتيسير، وقدر ما انتهى إليه فهمي القاصر وعلمي القصير، معتمدًا على رب السموات والأرض أن يجعله رحمة لعباده، وبركة شاملة في أرضه
1 / 9