قد ذكرنا هنا من المنافع ما يتعلق بالأضلاع نفسها وما يتعلق بعددها. أما المتعلق بنفس الأضلاع فمنفعة واحدة: وهي أنها وقاية لما تحيط به من آلات التنفس، وأعالي آلات الغذاء. وهذه الوقاية لا شك فيها فإنها لصلابتها تمنع نفوذ المؤذي إلى هذه الآلات كالضربة والسقطة ونحو ذلك.
أقول: إن لها منافع أخر: أحدها: أنها ثخانة تنور البدن كالصلب لطوله، فكما أن الصلب أصل في الطول بحيث يكون طول تنور البدن مقدرًا بطوله وكذلك الأضلاع بثخانة هذا التنور.
وثانيها: أن الصدر وما تحته لو خلى من الأضلاع أعني العظام التي فيه لكان ينطبق بعضه على بعض. وتتغير وضع أجزائه وتزاحم آلات التنفس والغذاء.
وثالثها: أن بعض الأحشاء، يتعلق بها بتوسط تعلقه بالغشاء المستبطن للصدر والبطن المتشبث بها، فتبقى مواضع تلك الأحشاء وأوضاعها محفوظتين.
ورابعها: أنه لولا الاضلاع لكان تركيب تنور البدن غير قوي فيكون الصدر وما دونه سريع الانضغاط والانفعال عن المصادمات ونحوها.
وأما المنافع المتعلقة بعدد الأضلاع فقد ذكر منها ها هنا أربع منافع: المنفعة الأولى: أن الوقاية المحيطة بآلات التنفس وأعالي آلات الغذاء لو جعلت عظمًا واحدًا لانقلب، وذلك لأنها لو كانت عظمًا واحدًا لم يمكن أن يكون رقيقًا جدًا، وإلا كان متهيأً للانكسار بأدنى سبب فلا بد، وأن يكون غليظًا، ويلزم ذلك أن يكون ثقيلًا.
ولقائل أن يقول: إن هذا الثقل يلزم سواء كانت عظمًا واحدًا أو عظامًا كثيرة متصلًا بعضها ببعض. فلو كان ذلك محذورًا لو جب أن لا يخلق الرأس من عظام متصلة بل من عظام كالأضلاع منفرج بعضها من بعض بل فعل ذلك في الرأس أولى لأن جعل الثقيل في الأعالي أسوأ من جعله فيما دون ذلك غاية ما في الباب أن يقال له: لو لم تجعل عظام الرأس متصلة لكانت الوقاية تقل.
فنقول: وفي الصدر كذلك أيضًا بل وجوب زيادة الوقاية ها هنا أولى لأن القلب أشرف كثيرًا من الدماغ فيكون بوجوب الاعتناء به أكثر.
المنفعة الثانية: إن هذه الوقاية لو كانت عظمًا واحدًا لكان يكون مستعدًا لسريان ما يعرض لجزء منه من الآفات كالكسر والصدع والعفونة، وذلك لا محالة رديء فجعلت من عظام كثيرة.
ولقائل أن يقول: إن سريان الآفات من جزء العظم الواحد إلى باقي أجزائه أهون كثيرًا من وصول الآفات كالرماح والنشاب وغيرها من الأشياء الحادة النفاذة إلى القلب والرئة من الخلل الذي بين الأضلاع وإذا كان كذلك كانت خلقة الصدر من عظم واحد أقل مضرة من خلقته من أضلاع على هذه الهيئة.
المنفعة الثالثة: إن هذه الوقاية لو خلقت عظمًا واحدًا لما أمكن أن تتسع تارة وتضيق تارة أخرى، والصدر يحتاج إليه في ذلك فإنه يحتاج إلى أن ينبسط عند ازدياد الحاجة إلى الترويح على ما في الطبع وكذلك عند امتلاء المعدة وغيرها من الأحشاء غذاءً أو نفخًا، فإن ذلك يزاحم الحجاب وغيره من آلات التنفس فيحتاج لذلك إلى اتساع الصدر ليتسع لمقدار الهواء الكافي.
المنفعة الرابعة: إنها لو خلقت عظمًا واحدًا لم يكن فيه فرج يتخللها عضل الصدر المعينة في آلات التنفس وما يتصل به كالصوت وبيان ذلك أن التنفس قد دللنا فيما سلف على وجه الاضطرار إليه وهو إنما يتم بحركة الرئة، والحجاب انبساطًا وانقباضًا لينجذب الهواء عند الانبساط لاستحالة الخلاء، ويندفع فضول الروح، وما يسخن من ذلك الهواء. فبطلت فائدته عند الانقباض وحركة الانقباض والانبساط.
1 / 33