وثانيها: أنها تسقط بالطبع ثم تعود وسبب ذلك أن النابت منها أو لًا. يكون شبيهًا بباقي الأعضاء في ذلك الوقت وهي حينئذٍ شديدة اللين وخصوصًا والحاجة حينئذٍ إلى تصلبها يسيرة جدًا لأن غذاء الصبي في ذلك الوقت إنما يكون من الأشياء اللينة جدًا ليكون شبيهًا بمزاجه وبأعضائه في ذلك الوقت، ولذلك ما كان من الأسنان ينبت في أو ل بأنه صلبًا كالنواجذ فإنه لا يسقط بالطبع البتة.
وثالثها: أنها تعود بعد الفقد في الأسنان دون بعض ولا كذلك غيرها فإنه إما أن لا تعود البتة كالعظام والشرايين أو أنه يعود في كل سن كاللحم والشحم.
ورابعها: أن المادة التي تتكون منها لا يتكون منها عضو آخر، وذلك لأنها تتكون من دم على مزاج المني لأنها لو تكونت من الدم كيف كان لو جب أن يعود بعد الفقد دائمًا كما كان في اللحم والشحم، ولو تكونت من المني لما كانت تعود إليه البتة كما في العروق والعظام.
وخامسها: أنها مع شدة صلابتها تحس وتتخدر وتتألم ولا كذلك غيرها. وسنذكر سبب ذلك.
وسادسها: أنها مع كونها عظيمة فهي مكشوفة من كل جانب ولا كذلك غيرها من الأعضاء وأما الأظفار فليست مكشوفة من كل جانب ومع ذلك فهي في الحقيقة ليست من الأعضاء ولو كانت من الأعضاء لما كانت عظيمة أعني ليست في صلابة العظام.
وسابعها: أنها مع أنها أعضاء فهي تنمو دائمًا ولذلك تطول السن المحاذية للسن المقلوعة. وسبب ذلك تعرضها للانسحاق الدائم. وأما الأظفار والشعر فإنهما وأن شاركاها في ذلك فليسا من الأعضاء.
وثامنها: أنها عند الكبر تقصر في الحقيقة وتطول في الحس أما سبب ذلك قصرها الحقيقي فلأجل دوام الانجراد بالمضغ مع ضعف النمو عند الكبر، وأما طولها الحسي، فلأن اللحم الذي عند أصولها يقل فترة طويلة.
وتاسعها: أنها مع أن مفاصلها بدخول زائدة منها في حفرة من عظم آخر هي أيضًا موثقة وهذا لا يوجد لغيرها.
وعاشرها: أنها يعرض لها التقلقل كثيرًا مع أن مفاصلها موثقة. وذلك بخلاف غيرها، فهذه عشر خواص للأسنان.
قوله: ثنيتان ورباعيتان من فوق ومثلها من أسفل للقطع هذا ظاهر، فإن الإنسان بالطبع، إنما يقطع ما يقطعه من المأكول بمقدم أسنانه ولذلك خلقت هذه الأسنان مستعرضة حادة الأطراف لتكون كالقدوم ونحوه مما يقطع به.
قوله: ونابان من فوق، ونابان من أسفل للكسر ربما قيل إن عادة الإنسان إنما يحاول كسر ما يريد كسره بأضراسه لا بأنيابه. وجوابه: أن ما كان من الأشياء الصلبة مثل الجوز واللوز فلا شك أن الأسنان التي يحاول كسرها بها هي الأضراس وأما ما كان من الأطعمة له طول لا يتمكن من كسره بالأضراس، فإنما يحاول كسره بالأنياب فكأنها مخلوقة للكسر نيابة عن الأضراس. وقد خلقت محددة لتنفذ فيما يراد كسره فتهيئه للانكسار وأما الأضراس فأكثر فائدتها سحق المأكول وطحنه، ولذلك خلقت عظامًا غلاظًا كبارًا لأن السحق إنما يتم بمثل ذلك، وقد تسمى الأسنان بأسماء مشتقة من أفعالها كما تسمى الأضراس الطواحين والأسنان القدامية القاطعة وأما الأنياب فلما لم يكن الكسر لها أصليًا لم يشتق لها منه منها أسماء بل سميت باسم مشابهها. فيقال لها أسنان الكلاب لشبهها بأسنانها، والنواجذ تنبت في وسط سن النمو وذلك في قريب من عشرين سنة، لأن الطبيعة حينئذٍ تستظهر في آلات الغذاء عند إشراف زيادة الوارد على المتحلل على البطلان، وهذا من خواص الإنسان وتسمى أسنان الحلم بكسر الحاء أي أسنان العقل وهذا السن هو ابتداء كمال العقل وقد يسمى أسنان الحلم بضم الحاء لأنها تتكون بعد الاحتلام. وعبارة الكتاب في الأسنان ظاهرة.
وقد قال جالينوس: إن قوة الحس تأتيها في عصب لين، وهذا عجيب فكيف جعل لينًا وهو مخالط للعظام؟ وينبغي أن يكون شبيهًا بجرمها فيكون صلبًا لئلا يتضرر بمماستها.
بقي ها هنا بحث، وهو أن الأسنان عظام أو ليس؟
1 / 27