وثانيهما: أن تتحلل الفضول من الخلل الواقع بينهما بالدروز، وهاتان المنفعتان هما أيضًا منفعتا الدروز، وإنما خلقت كذلك لأن هذه الفضول تكثر جدًا عند موضع العين لأجل رطوبتها. وإنما جعل بعضها إلى أسفل من العين ليتحلل منه ما ينزل من تلك الفضول حتى ما يأتي من ناحية الصدغين، ولأجل كثرة ما يحصل هناك من الفضول الرطبة تحدث الدموع، وسبب حدوثها عند البكاء أن الألم الموجب للبكاء لتسخينه القلب يرتفع منه، ومن نواحيه الأبخرة فإذا صعدت تلك الأبخرة إلى الرأس غلظت ولم تنفذ في الأمين لغلظها ولكونها كثيرة متصعدة دفعةً. فإن الأميّن بصفاقها إنما يتحلل منهما ما يتحلل في زمان طويل. وإذا لم ينفذ في الأمين دفعها إلى الدماغ إلى جهة العينين لاتصال الأمين بهما فيخرج من تلك الشؤون مائية وتكون حارة لبقية الحرارة الحادثة لها بالغليان الذي حصل في القلب. وكلما كان الموجب للبكاء أقوى كانت الدموع أكثر.
وأما الدموع التي قد تخرج في حال الضحك فلا تكون حرارتها قوية وذلك لأن محدثها هو تسخين القلب بالفرح وهو لا يحدث في القلب سخونة يعتد بها.
قوله: وكل ما هو منها أسفل بالقياس إلى الدرز الذي تحت الحاجب فهو أبعد من الموضع الذي يماسه الأعلى. إن هذا الكلام لم يظهر لي الآن له فائدة. ولعل غيري يفهم منه معنىً مفيدًا. وتحت هذه الدروز والعظام التي ذكرناها، وهي الثلاثة من كل جانب عظم في كل جانب يقال له عظم الوجنة. وهو عظم ثخين له قدر صالح وجرمه صلب. وقد ذكرنا فائدة ذلك كله. وهذا العظم يحده من فوق الدرز الآتي من دون منشأ عظم الزوج مع شعبته الثالثة. وتحده من تحت منابت الأضراس ويحده من جهة الأذن القدر المشترك بين اللحي الأعلى والعظم الوتدي وهو المنحدر إلى ما وراء الأضراس. وهو الذي ذكرنا في تحديد هذا اللحى ويحده من جهة الأنف الدرز الطرفي الذي من تلك الجهة. وهو الذي يوتر الزاوية القائمة من المثلث الذي في تلك الجهة.
وأما جالينوس فقد قال في تحديد هذا العظم: أنه يحده من أسفل الدرز المستقيم الذي يقطع أعلى الفم ويريد بذلك الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولًا. ويريد بكون هذا الدرز يحده من أسفل أنه يكون كذلك، إذا كان الإنسان مضطجعًا وأما إذا كان قاعدًا أو منتصبًا فإنما يحد هذا العظم من تحت منابت الأضراس فقط لأن ذلك هوا لذي يكون حينئذٍ تحت هذا العظم والشيخ لم يتعرض لتعريف هذا العظم، ولا لعدد عظام هذا الفك وقد اختلف المشرحون في عددها. وذلك لأن منهم من يعد العظام الستة التي عند العينين التي ذكرناها عظمين فقط، كما قلناه أو لًا، وبعضهم يجعل العظمين المنحرفين اللذين ينبت فيهما الثنايا والرباعيات عظمًا واحدًا وكذلك العظمين المثلثين اللذين فوق هذين العظمين. وفيهما ثقبتا الأنف اللذان يفضيان إلى الحنك يجعلونهما عظمًا واحدًا. وبإزاء هؤلاء قوم يجعلون العظم الوتدي من عظام هذا الفك فلذلك أكثر ما قيل في هذه العظام أنها ثلاثة عشرة عظمًا وأقل ما قيل فيها أنها ستة عظام.
أما من جعلها ثلاثة عشر فيقول: أنها ستة عند العينين وعظما الوجنتين وعظمان مثلثان، وعظمان منحرفان، والعظم الوتدي ومن يقول إنها ستة يقول: إنها عظمان عند العينين وعظما الوجنتين، وعظم مثلث وآخر منحرف ومن يقول إنها سبعة يعد مع هذه العظم الوتدي.
ومن يقول إنها اثنا عشر يخرج العظم الوتدي من العدد الأولى وهذا هو الأجود والمشهور.
بقي لقائل أن يقول: إن الدرز الذي ذكره جالينوس وهو القسم الصغير من قسمي الدرز الذي ينزل من درز منشأ الصدغ الذي يمر من هناك إلى خلف حتى ينتهي إلى طرف الأسفل أنه يفصل هناك عظمًا صغيرًا من الجانب الأيمن، والآخر مثله من الجانب الأيسر فيزداد في عدد عظام هذا الفك اثنان.
وها هنا مسألة: وإن لم تكن من التشريح فإنها متفرعة عليه وهي أنه ما السبب في أن الآلام العارضة للأسنان أو لأصولها أكثرها إنما يعرض للأضراس مع أنها صلبة، قوية، بعيدة عن قبول المؤلمات.
وأما الآفات العارضة للحم الذي في موضع الثنايا والرباعيات مع أن هذا اللحم مكشوف للهواء في أكثر الأحوال بخلاف لحم الأضراس فإنه محجوب عن الهواء موضوع حيث الرطوبات تلاقيه دومًا فكان الأولى أن يكون عروض الآفات له أكثر؟ الجواب: أن السبب في هذا من جهة الأسنان ومن جهة الدروز معًا.
1 / 22