ألفا، لأن إبدال الباقي بعد الحذف تغيير ثان، وذلك إجحاف أيضًا لا يسوغ مثله فيما هو من جنس ما يحذف منه ويزاد عليه، فكيف يسوغ فيما ليس كذلك؟ فلما كان القول بأن النون الخفيفة فرع الثقيلة مفضيا إلى هذا المحذور وجب اطراحهن والقول بأن السين فرع سوف لا يفضي إلى مثل ذلك فوجب قبوله والتمسك به لأنه أبعد من التكلف.
وأيضًا فقد أجمعنا على أن: سَفْ وسَوْ وسَيْ عند من أثبتها فروع سوف، فلتكن السين أيضًا فرعها، لأن التخصيص دون مخصص مردود، ويكون هذا التصرف في سوف بالحذف شبيها بما فعل بأيمن الله في القسم حين قيل: ايْمُ الله، وامُ الله، ومُنُ الله، ومُ الله، وقريبًا من قولهم في حاشى: حاش، وحشا، وفي: أُفَّى: أُفَّهْ وافْ.
وقال بعضهم: لو كانت السين فرع سوف كسف وسو لكانت أقل استعمالا منها لأنها أبعد من الأصل، وهما أقرب إليه إذ الحذف فيهما أقل، والأصل أحق بكثرة الاستعمال من الفرع، والفرع الأقرب أحق بها من الأبعد.
قلت: هذا تعليل ضعيف لأن من الفرع ما يفوق الأصل بكثرة الاستعمال كنِعْم وبئس فإنهما فرعا نَعِم وبَئِس، وهما أكثر استعمالا. وكأخ وأب المنقوصين فإنهما فرعا المقصورين، والمنقوصان أكثر استعمالا، وأمثال ذلك كثيرة. وإذا جاز أن يفوق فرع أصلا بكثرة الاستعمال، فأن يفوق فرع فرعًا أولى.
وقال بعضهم: لو كانت السين بعض سوف لكانت مُدَّةُ التسويف بهما سواء، وليس كذلك، بل هي بسوف أطول، فكانت كل واحدة منهما أصلا برأسها.
قلت: وهذه دعوى مردودة بالقياس والسماع: فالقياس أن الماضي والمستقبل متقابلان، والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان وبعده، فينبغي ألا يقصد بالمستقبل إلا مطلق الاستقبال دون تعرض لقرب الزمان وبعده ليجري المتقابلان على سنن واحد، والقول بتوافق سيفعل وسوف يفعل مصحح لذلك، فكان المصير إليه أولى، وهذا قياس.
1 / 26