شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
ژانرها
قوله: "وإذا عرفت" يريد أن بعض أنواع العلاقة بين الشيئين مما يصحح المجاز من الجانبين، وبعضها من جانب واحد، وذلك لأن مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم، وقد عرفت أن معنى اللزوم هاهنا الانتقال في الجملة لا امتناع الانفكاك فالملزوم أصل، ومتبوع من جهة أن منه الانتقال، واللازم فرع، وتابع من جهة أن إليه الانتقال فإن كان اتصال الشيئين بحيث يكون كل منهما أصلا من وجه فرعا من وجه جاز استعمال اسم كل منهما في الآخر مجازا وإلا جاز استعمال اسم الأصل في الفرع دون العكس فالعلة أصل من جهة احتياج المعلول إليه، وابتنائه عليه، والمعلول المقصود أصل من جهة كونه بمنزلة العلة الغائية. والغاية وإن كانت معلولة للفاعل متأخرة عنه في الخارج إلا أنها في الذهن علة لفاعليته متقدمة عليها، ولهذا قالوا الأحكام علل مآلية، والأسباب علل آلية، وذلك لأن احتياج الناس بالذات إنما هو إلى الأحكام دون الأسباب، وإنما قال كالعلة مع المعلول دون السبب مع المسبب كما في بيان أنواع العلاقة لأن من السبب ما هو سبب محض ليس في معنى العلة، والمسبب لا يطلق عليه مجازا كما سيجيء، والكل أصل يبتنى عليه الجزء في الحصول من اللفظ بمعنى أنه إنما يفهم من اسم الكل بواسطة أن فهم الكل موقوف على فهمه، وهذا معنى قولهم التضمن تابع للمطابقة، والتبعية بهذا المعنى لا تنافي كون فهم الجزء سابقا على فهم الكل، والجزء أصل باعتبار احتياج الكل إليه في الوجود، والتعقل، وفي هذا تسليم ما منعه في صدر الكتاب من اطراد تعريف الأصل بالمحتاج إليه فإن قلت لما كان فهم الجزء سابقا على فهم بالحلول الحصول فيه، وهو أعم من حلول العرض في الجوهر، واعلم أن الاتصالات المذكورة إذا وجدت من حيث الشرع تصلح علاقة للمجاز أيضا "كالاتصال في المعنى
...................................................................... ..........................
الكل لم يكن الانتقال من الكل إلى الجزء بل بالعكس فلا يكون الكل ملزوما، والجزء لازما على ما مر من التفسير قلت ليس معنى الانتقال من الملزوم إلى اللازم أن يكون تصور اللازم متأخرا عنه في الوجود ألبتة بل أن يكون اللازم بحيث يحصل عند حصول الملزوم في الذهن في الجملة، وهذا المعنى في الجزء متحقق بصفة الدوام، والوجوب فإن قيل احتياج الكل إلى الجزء ضروري مطرد، والمجموع الذي يكون اليد أو الرجل جزءا منه لا يتحقق بدونهما ضرورة انتفاء الكل بانتفاء الجزء فما معنى اشتراط جواز إطلاق الجزء على الكل بأن يستلزم الجزء للكل كالرقبة، والرأس فإن الإنسان لا يوجد بدونهما بخلاف اليد، والرجل قلنا هذا مبني على العرف حيث يقال للشخص الذي قطعت يده أو رجله، وذلك الشخص بعينه لا غيره فاعتبر الجزء الذي لا يبقى الإنسان موجودا بدونه. وأما إطلاق العين على الرقيب فإنما هو من جهة أن الإنسان بوصف كونه رقيبا لا يوجد بدونه كإطلاق اللسان على الترجمان فإن قيل معنى استلزام الجزء الكل يقتضي كون الجزء ملزوما، والكل لازما، وعدم وجدان الإنسان بدون الرأس أو الرقبة إنما يدل على أن الجزء لازم، والكل ملزوم إذ الملزم هو الذي لا يوجد بدون اللازم قلنا ذكر المصنف أنا لا نريد بالمستلزم، واللازم مصطلح أهل الجدل بل مصطلح أهل الحكمة، والبيان، وهم يعنون بالمستلزم المستتبع، واللازم ما يتبعه فالحكماء يجعلون خواص الماهية لوازمها لا ملزوماتها مع أنها لا توجد بدون الماهية، والماهية قد توجد بدونها، وعلماء البيان يجعلون مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم، ومبنى الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم، ويعنون باللازم ما هو بمنزلة التابع، والرديف فكل من الرقبة، والرأس ملزوم، وأصل يفتقر إليه الإنسان، ويتبعه في الوجود. وفي كون ما ذكر مصطلح أهل الحكمة نظر فإنهم يقسمون الخاصة إلى لازمة، وغير لازمة ، وإنما يطلقون اللوازم على ما يكون مقتضى الماهية، ويمتنع انفكاكه عنها لا يقال كل ملزوم فهو محتاج إلى لازمه فيكون اللازم أصلا له، وملزوما بمعنى كونه محتاجا إليه، ويلزم منه جريان الأصالة، والتبعية في جميع أقسام المجاز ضرورة أنه مبني على الانتقال من الملزوم إلى اللازم لأنا نقول إنما يلزم ذلك لو أريد باللازم ما يمتنع انفكاكه عن الشيء حتى يحتاج الشيء إليه، وقد عرفت أنه ليس بمراد.
قوله: "والمراد بالحلول" المتعارف عند الحكماء في حلول الشيء في الشيء اختصاصه بحيث يصير الأول ناعتا، والثاني منعوتا كحلول العرض في الجوهر، والصورة في المادة فأشار المصنف إلى أنا لا نعني بالحال، والمحل هذا المعنى بل معنى الحلول حصول الشيء في الشيء سواء كان حصول العرض في الجوهر أو الصورة في المادة أو الجسم في المكان أو غير ذلك كحصول الرحمة في الجنة.
صفحه ۱۴۳