هاهنا ليستتر به عن أعين المارة؛ لأن السباطة تكون في الأفنية والمحال
المسكونة، أو قريبًا منها، ولا تكاد تخلو هذه المواضع من المارة، ولأنه
كان يبول قائمًا، ويؤمن معه من خروج الحدث الآخر، والرائحة
الكريهة، فلهذا استدعاه، وأما في الحديث الثاني فلكونه كان يقضي حاجته
قاعدًا، ويحتاج إلى الحدثين جميعًا، فتحصل الرائحة المستكرهة، فلذلك
قال: " تنح عني "، وعن هذا قال بعض العلماء: في هذا الحديث من
السُّنّة: القرب من البائل إذا كان قائمًا، والبعد إذا كان قاعدا.
قوله: " عن عقبه ": العقب بفتح العين وكسر القاف: مؤخر القدم،
وهي مؤنثة. ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: جواز المسح على
الخف.
والثانية: جواز المسح في الحضر.
والثالثة: جواز البول قائمًا.
والرابعة: جواز قرب الإنسان من البائل.
والخامسة: جواز طلب البائل من صاحبه الذي يدل عليه القرب منه،
ليستره.
والسادسة: استحباب التستر.
والسابعة: جواز البول بقرب الديار " (١) .
والثامنة: فيه دليل على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة، لما فيه من
الضرر.
وهذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه ".