شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
ژانرها
ويستحيل كونه مريدا وكارها لذاته؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن لا تقع أكثر أفعاله([26])، وقد وقعت؛ فثبت أنه مريد بإرادة؛ وكذلك كاره بكراهة، والإرادة والكراهة يستحيل إيجابهما لغير الحي على ما ذلك مقرر في مواضعه من كتب الأصول.
قوله: (وباطنا لخلقه): يريد من خلقه، فتستحيل رؤيته عليهم في الدنيا والآخرة فصار كأنه باطن.
(وظاهرا) يقول: لما أظهر من الدلالة على ثبوت ذاته وصفاته سبحانه الجلية الواضحة؛ صار كأن العالم بها يشاهده - تعالى عن ذلك - لظهور الحال فيه وفيما أظهرسبحانه من الأدلة عليه دلالة على علمه وقدرته، وذلك دليل على أنه حي؛ فلذلك ذكرهما في هذه المسألة - أعني الباطن والظاهر -.
قوله: (فذاك حي غير ذي اعتلال): يرجع إلى معنى قوله: (قادرا لذاته)؛ لأن القادر للذات لا يكون سوى الله -تعالى-.
(والعلل) هاهنا: هي ما تحدث من الآفات، في الجوارح الآلات، والله -تعالى- تستحيل عليه الجوارح لأنه ليس بجسم، وذلك لا يكون إلا للأجسام على ما يأتي بيانه، فلهذا قال: (من كان عليما([27]) قادرا لذاته) إستحالة العلل في حقه، ووجب كونه حيا لمجرد صحة العلم والقدرة له، وإن جهلنا ما جهلنا ، ألا ترى أنا إذا شاهدنا ذاتين أحدهما يصح أن يعلم ويقدر، والثاني يستحيل أن يعلم ويقدر؛ علمنا أن بينهما فرقا ومزية، وإلا وجب إشتراكهما في استحالة صحة الفعل([28]) والقدرة منهما جميعا أو صحة العلم والقدرة لهما جميعا وذلك ظاهر ؛ فإذا قد صح العلم لله -تعالى- والقدرة؛ بل وقع ذلك، بما تقدم من الدلالة، وجب كونه تعالى حيا، وثبوت هذه الصفة له في جميع الأحوال.
ودليل إطلاق هذه اللفظة من اللغة بعد ثبوت معناها بالأدلة العقلية المتقدمة أن أهل اللغة يعبرون عمن صح فيه معنى العلم والقدرة بأنه حي، وإن لم يعلموا حقيقتهما بأنه حي، ويعبرون عمن لا يعلمون صحة معناهما فيه([29]) بأنه ميت أو جماد.
صفحه ۱۳۱