شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
ژانرها
وأما أن من كان بهذه الأوصاف فهو لا يفعل القبيح: فذلك ظاهر؛ لأنه لا يحمل فاعل القبيح على فعله - عند كل عاقل- إلا جهله بقبحه، أو حاجته إلى فعله، أو جهله بأنه غني عنه، وقد ثبت أن هذه الوجوه مستحيلة على الباريء -تعالى- فثبت أنه تعالى لا يفعل القبيح.
ويدخل تحت جملة هذا اللفظ الظلم والسفه والعبث والكذب، وجميع
أنواع القبائح المعلومة بالعقل والسمع، فلا وجه لإفراد كل واحد منها بالذكر، فإذا ثبت أنه تعالى لا يفعل شيئا من القبائح، وقامت الدلالة بأن شيئا من المحدثات لا فاعل له سواه، كأن يكون جسما أو عرضا ضروريا، إذ لا فاعل للأجسام والأعراض الضرورية إلا الله -تعالى- لخروجهما عن مقدور العباد؛ قضينا بأن ذلك الفعل حسن إذ لا واسطة بين الحسن والقبيح وإن كانت النفوس تكرهه؛ لأن الحسن أكثر ما يكون في المكاره، والقبيح أكثر ما يكون في الملاذ والمشتهيات؛ وهذا تنبيه لكل عاقل متأمل لم يعم التعصب عين بصيرته، وتملك يد التقليد مقوده.
[التذكير ببعض نعم الله]
(عدنا إلى التفسير)
قوله: (ومنه للكل العطاء الجزل): فكذلك حاله سبحانه؛ لأنا نعلم أنه منعم على كل أحد من عباده نعمة جليلة ترجح بالدنيا وما فيها، فأول نعمه على عباده - ومجموعها لا تحصى - إخراجه لهم من العدم إلى الوجود، وإحياؤه لهم بعد الإخراج، وتركيب هذه الجوارح الجليلة القدر فيهم من الأيدي والأرجل والألسنة والأنوف والأعيان والآذان، التي لو أعطي كل واحد منا في جارحة منها ما في الدنيا من عين وجوهر وطيب وفلس ؛ بل جميع حيوانها وجمادها، لما أنصف العاقل وسد له مسد الإستمتاع بها فضلا عن مجموعها، فالحمد لمن جمعها، وجعلنا نشتهي، ومكننا من المشتهى، وأغنانا بحلال المشتهى عن حرامه، لنحترز عن مواقعة القبيح وآثامه.
صفحه ۱۴۴