وأما ثانيهما فهو العلامة المحقق: " رضى الدين: محمد بن الحسن الاستراباذي المتوفى سنة 688 ه، وهو من " استراباذ " إحدي قرى " طبرستان "، وقد عاش حياته بين العراق والمدينة المنورة، وقد علم برسالة ابن الحاجب هذه وشرح مؤلفها لها، فبادر هو إلى شرحها في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه، " كما أن لابن الحاجب رسالة صغيرة ثانية في الصرف، اسمها " الشافية " شرحها الرضي كذلك شرحا وافيا، وهي كذلك تعتبر من أهم مراجع علم الصرف وهي مطبوعة طبعا حديثا في مصر "، وجاء في مقدمة الرضى لشرحه على الكافية أنه فعل ذلك استجابة لرغبة من أحد الذين قرأوا عليه هذه الرسالة، ويقول انه أراد أن يعلق عليها ما يشبه الشرح، ثم اقتضى الحال بعد الشروح أن يتجاوز الاصول إلى الفروح، والحق أن كتابه هذا جاء مرجعا علميا جليل القدر عظيم الفائدة في هذا العلم، وعلى كثرة ما كتبه العلماء على رسالة الكافية من شروح وتعليقات، قد نقل كثيرون ممن جاءوا بعد الرضى عن شرحه هذا وأخذوا منه.
وامتاز الرضي في شرحه هذا باستقلال الرأي وحرية الفكر، فلم يتحيز ولم يتعصب لمذهب معين لاحد ممن سبقوه، وعلى ميله الغالب إلى مذهب البصريين، وتمجيده لامام النحو " سيبويه " وتقديره لكتابه، يختار كثيرا، بعض آراء الكوفيين ويدافع عنها، بل ان ذلك ظهر في كثير من تعبيراته، التي وردت في هذا الشرح،
وهو، إلى ذلك، قد ينفرد برأي خاص في بعض المسائل، بعد أن يعرض أقوال السابقين ويفندها، وقد يرجع بعضها ويدافع عنه دفاعا قويا.
وقد حفل شرحه هذا بشواهد من القرآن ومن الشعر، وبعض الاحاديث النبوية، وعبارات مما تضمنه كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، فأما الشعر فقد جاء فيه ما يقرب من ألف شاهد، وقد تكفل بشرحها شرحا علميا وأدبيا وتاريخيا: العلامة عبد القادر البغدادي من علماء القرن الحادي عشر الهجري في كتاب، هو جدير، حقا بما سماه به صاحبه: " خزانة الادب، ولب لباب لسان العرب "، وكثير من الادباء وعلماء اللغة يرجعون إليه في معظم ما يكتبون، وأما شواهده القرآنية، فمما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى هو قمة الاستشهاد على علوم اللغة العربية، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثار خلاف بين السابقين من علماء النحو في صحة الاستشهاد به، وتحرج كثير منهم من ذلك وخلت كتب كثيرة من ذكر الاحاديث النبوية، وهو خلاف طويل لا يتسع المجال هنا لعرضه، وقد لخص ذلك: البغدادي في مقدمة خزانة الادب، ولكنهم انتهوا أخيرا إلى صحة الاستشهاد بالحديث وبدأت مؤلفاتهم تمتلئ به، فسلك الرضى مسلكهم في ذلك.
صفحه ۷