إليها مُقبلة ومُدبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته ولبسته، فأقبلت النسوة عليه، وقلن له: غدِّنا فقد حبستنا وجوَّعتنا، فقال: أن نحرت لكن ناقتي تأكلن منها؟ قلن: نعم، فاخترط سيفه فعرقبها، ثم كشطها، وجمع الخدم حطبا كثيرا، وأجج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها وأطايبها فيرميه على الجمر، وهن يأكلن ويشربن من فضلة كانت معه في ركوة له، ويغنيهن وبنبذ إلى العبيد من الكباب، حتى شبعن وشبعوا وطربن وطربوا، فلما ارتحلوا قالت
إحداهن: أنا أحمل حشيته وأنساعه، وقالت الأخرى: أنا أحمل طنفسته، فتقسمن متاع راحلته بينهن، وبقيت عنيرة لم يحملها شيئا، وقال: ليس لك بد من أن تحمليني معك؛ فإني لا أطيق المشي ولم أتعوده، فحملته على بعيرها، فلما كان قريبا من الحي نزل، فأقام حتى إذا جنه الليل أتى أهله ليلا.
وقوله (فيا عجبا لرحلها المتحمل) أي العجب لهن ومنهن كيف أطقن حمل الرجل في هوادجهن؟ وكيف رحلن إبلهن على تنعمهن ورفاهة عيشهن؟
(فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِهَا ... وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ)
يرتمين: يناول بعضهن بعضا، والهداب والهدب واحد، وهو طرف الثوب الذي لم يستتم نسجه، والدمقس: الحرير الأبيض، ويقال: هو القز، وهو المدقس أيضا، وقيل الدمقس والمدقس كل ثوب أبيض من كتان أو إبريسم أو قز، وشبه شحم هذه الناقة وهؤلاء الجواري يترامينه - أي يتهادينه - يهداب الدمقس، وهو غزل الإبريسم المفتول، والمفتل بمعنى المفتول، إلا أنك إذا قلت (مفتول) يقع للقليل والكثير، وإذا قلت (مفتل) لم يكن إلا للكثير، ويقال: ظلَّ يفعل كذا،
1 / 16