311

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

ویرایشگر

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

ویراست

الأولى

سال انتشار

۱۴۱۸ ه.ق

محل انتشار

بيروت

قال : فبلغ ذلك معاوية ، فدعا عمرو بن العاص ، وقال : يا عمرو ، إنما هي الليلة ، حتى يغدو علي علينا بالفيصل ، فما ترى ؟ قال : إن رجالك لا يقومون لرجاله ، ولست مثله ، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء ، وهو يريد الفناء ، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم ؛ ولكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه اختلفوا ، ادعهم إلى كتاب الله حكما بينك وبينهم ، فإنك بالغ به حاجتك في القوم ، وإني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه ، فعرف معاوية ذلك وقال له : صدقت . قال نصر : وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري ، قال : والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير ، وذلك بعد ما طحنت رحا مذحج ، فيما بينها وبين عك لخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي ، حتى استقلت الشمس ، وقام قائم الظهر ، وعلي عليه السلام يقول لأصحابه : حتى متى نخلي بين هذين الحيين ! قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون ! أما تخافون مقت الله ! ثم انفتل إلى القبلة ، ورفع يديه إلى الله عز وجل ، ونادى : يا الله ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا واحد ، يا أحد ، يا صمد ! يا الله ، يا إله محمد ؛ اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، ومدت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، وطلبت الحوائج ! اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا ، ' ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ' سيروا على بركة الله ، ثم نادى : لا إله إلا الله والله أكبر ، كلمة التقوى .

قال : فلا والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق الله السموات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب ، إنه قتل - فيما ذكر العادون - زيادة على خمسمائة من أعلام العرب ، يخرج بسيفه منحنيا ، فيقول : معذرة إلى الله وإليكم من هذا . لقد هممت أن أفلقه ؛ ولكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ' لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ' . وأنا أقاتل به دونه صلى الله عليه وسلم .

قال : فكنا نأخذه فنقومه ، ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف ، فلا والله ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه عليه السلام .

قال نصر : فحدثنا عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : سمعت تميم بن حذيم ، يقول : لما أصبحنا في ليلة الهرير ، نظرنا فإذا أشباه الرايات ، أمام أهل الشام في وسط الفيلق ، حيال موقف علي ومعاوية ، فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح ، وهي عظام مصاحف العسكر ، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعا ، وربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم ، يمسكه عشرة رهط .

قال نصر : وقال أبو جعفر وأبو الطفيل : استقبلوا عليا بمائة مصحف ، ووضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف ، فكان جميعها خمسمائة مصحف .

قال أبو جعفر : ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي عليه السلام ، وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة ، وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ، ثم نادوا : يا معشر العرب ، الله الله في النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم ! الله الله في دينكم ! هذا كتاب الله بيننا وبينكم .

فقال علي عليه السلام : اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون ، فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحكم الحق المبين .

صفحه ۱۲۵