241

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

ویرایشگر

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

ویراست

الأولى

سال انتشار

۱۴۱۸ ه.ق

محل انتشار

بيروت

فلما دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه ، قال لهم : أشيروا علي برجل صليب ناصح ، يحشر الناس من السواد . فقال له سعيد بن قيس : يا أمير المؤمنين ، أشير عليك بالناصح الأريب الشجاع الصليب ، معقل بن قيس التميمي ، قال : نعم ، ثم دعاه فوجهه ، فسار فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام .

ومن خطبة له في الحث على التزود للآخرة

الأصل : أما بعد ، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرقت باطلاع ، ألا وإن اليوم بمضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة والغاية النار .

أفلا تائب من خطيئته قبل منيته ! ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ! ألا وإنكم في أيام أمل ، من ورائه أجل ؛ فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، ولم يضرره أجله . ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد خسر عمله ، وضره أجله .

ألا فاعملوا في الرغبة ، كما تعملون في الرهبة ، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها ، ألا وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل ، ومن لا يستقيم به الهدى ، يجر به الضلال إلى الردى .

ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ، ودللتم على الزاد ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل ، فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا .

قال الرضي رحمه الله : وأقول : إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام . وكفى به قاطعا لعلائق الآمال ، وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار . ومن أعجبه قوله عليه السلام : ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة والغاية النار ، فإن فيه مع فخامة اللفظ ، وعظم قدر المعنى ، وصادق التمثيل ، وواقع التشبيه ، سرا عجيبا ، ومعنى لطيفا ، وهو قوله عليه السلام : والسبقة الجنة والغاية النار ، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، ولم يقل السبقة النار ، كما قال : السبقة الجنة ، لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب ، وهذه صفة الجنة ، وليس هذا المعنى موجودا في النار ، نعوذ بالله منها ! فلم يجز أن يقول : والسبقة النار ، بل قال : والغاية النار ، لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ، ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا ، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل ، قال الله تعالى : ' قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ' ، ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال : فإن سبقتكم إلى النار ، فتأمل ذلك فباطنه عجيب ، وغوره بعيد لطيف ، وكذلك أكثر كلامه عليه السلام .

صفحه ۵۵