شرح نهج البلاغة

Ibn Abi'l-Hadid d. 656 AH
155

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

پژوهشگر

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

۱۴۱۸ ه.ق

محل انتشار

بيروت

وإن القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به . الشرح : الأنيق : المعجب ، وآنقني الشيء ، أي أعجبني ؛ يقول : لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب العزيز على ظاهره ، فكم من ظاهر فيه غير مراد ، بل المراد به أمر آخر باطن ، والمراد الرد على أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية ، وإفساد قول من قال : كل مجتهد مصيب ، وتلخيص الاحتجاج من خمسة أوجه : الأول : أنه لما كان الإله سبحانه واحدا ، والرسول صلى الله عليه وسلم واحدا والكتاب واحدا ، وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحدا ، كالملك الذي يرسل إلى رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه وإمرته ، فإنه لا يجوز أن تتناقض أوامره ، ولو تناقضت لنسب إلى السفه والجهل .

الثاني : لا يخلو الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون ، إما أن يكون مأمورا به أو منهيا عنه ، والأول باطل ، لأنه ليس في الكتاب والسنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به كون الاختلاف مأمورا به . والثاني حق ، ويلزم منه تحريم الاختلاف .

الثالث : إما أن يكون دين الإسلام ناقصا أو تاما ، فإن كان الله سبحانه قد استعان بالمكلفين على إتمام شريعة ناقصة أرسل به رسوله ، إما استعانة على سبيل النيابة عنه ، أو على سبيل المشاركة له ، وكلاهما كفر . وإن كان الثاني ، فإما أن يكون الله تعالى أنزل الشرع تاما فقصر الرسول عن تبليغه ، أو يكون الرسول قد أبلغه على تمامه وكماله ؛ فإن كان الأول فهو كفر أيضا ؛ وإن كان الثاني فقد بطل الاجتهاد ، لأن الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين ؛ فإما ما قد بين للاجتهاد فيه .

الرابع : الاستدلال بقوله تعالى : ' ما فرطنا في الكتاب من شيء ' ، وقوله : ' تبيانا لكل شيء ' ، وقوله سبحانه : ' ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ' ، فهذه الآيات دالة على اشتمال الكتاب العزيز على جميع الأحكام ، فكل ما ليس في الكتاب وجب ألا يكون في الشرع .

الخامس : قوله تعالى : ' ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ' ، فجعل الاختلاف دليلا على أنه ليس من عند الله ، لكنه من عند الله سبحانه بالأدلة القاطعة الدالة على صحة النبوة ، فوجب ألا يكون فيه اختلاف .

واعلم أن هذه الوجوه هي التي يتعلق بها الإمامية ونفاة القياس والاجتهاد في الشرعيات وقد تكلم عليها أصحابنا في كتبهم ، وقالوا : إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجتهد ويقيس ، وادعوا إجماع الصحابة على صحة الاجتهاد والقياس ، ودفعوا صحة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقالوا : إنه من رواية الإمامية ، وهو معارض بما ترويه الزيدية عنه وعن أبنائه عليه السلام في صحة القياس والاجتهاد ، ومخالطة الزيدية لأئمة أهل البيت عليه السلام كمخالطة الإمامية لهم ؛ ومعرفتهم بأقوالهم وأحوالهم ومذاهبهم كمعرفة الإمامية ، لا فرق بين الفئتين في ذلك . والزيدية قاطبة جاروديتها وصالحيتها تقول بالقياس والاجتهاد ، وينقلون في ذلك نصوصا عن أهل البيت عليه السلام . وإذا تعارضت تساقطتا ، وعدنا إلى الأدلة المذكورة في هذه المسألة . وقد تكلمت في اعتبار الذريعة للمرتضى على احتجاجه في إبطال القياس والاجتهاد بما ليس هذا موضع ذكره .

ومن كلام له قاله للأشعث بن قيس

وهو على منبر الكوفة يخطب ، فمضى في بعض كلامه شيء اعترض الأشعث فيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه عليك لا لك ، فخفض إليه بصره عليه السلام ، ثم قال :

الأصل : وما يدريك ما علي مما لي ، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين ، حائك ابن حائك ، منافق ابن كافر ، والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى ، فما فداك من واحدة منها مالك ولا حسبك . وإن امرأ دل على قومه السيف ، وساق إليهم الحتف ، لحري أن يمقته الأقرب ، ولا يأمنه الأبعد .

قال الرضي رحمه الله تعالى : يريد عليه السلام أنه أسر في الكفر مرة وفي الإسلام مرة .

وأما قوله عليه السلام : دل على قومه السيف ، فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة ، غر فيه قومه ، ومكر بهم ، حتى أوقع بهم خالد ، وكان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار ، وهو اسم للغادر عندهم .

صفحه ۱۷۵