شرح نهج البلاغة

Ibn Abi'l-Hadid d. 656 AH
137

شرح نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

پژوهشگر

محمد عبد الكريم النمري

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

۱۴۱۸ ه.ق

محل انتشار

بيروت

وتناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل ، وكان كل من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ، ثم شد على عسكر علي عليه السلام ، وقال :

أضربهم ولا أرى أبا حسن . . . ها إن هذا حزن من الحزن

فشد عليه علي أمير المؤمنين عليه السلام بالرمح فطعنه فقتله ، وقال : قد رأيت أبا الحسن ، فكيف رأيته ! وترك الرمح فيه . وأخذت عائشة كفا من حصى ، فحصبت به أصحاب علي عليه السلام ، وصاحت بأعلى صوتها : شاهت الوجوه ! كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فقال لها قائل : وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى . وزحف علي عليه السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار ، وحوله بنوه : حسن وحسين ومحمد عليهم السلام ، ودفع الراية إلى محمد ، وقال : أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل ، ولا تقفن دونه . فتقدم محمد ؛ ورشقته السهام ، فقال لأصحابه ؛ رويدا حتى تنفذ سهامهم ، فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان . فأنفذ علي عليه السلام إليه يستحثه ، ويأمره بالمناجزة ، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه ، فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن ، وقال له : أقدم لا أم لك ! فكان محمد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي ، ويقول : لكأني أجد ريح نفسه في قفاي ، والله لا أنسى أبدا . ثم أدركت عليا عليه السلام رقة على ولده ، فتناول الراية منه بيده اليسرى ، وذو الفقار مشهور في يمنى يديه ، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ، ثم رجع وقد انحنى سيفه ، فأقامه بركبته . فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار : نحن نكفيك يا أمير المؤمنين . فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره ؛ وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ، حتى فرق من حوله . وتبادروه ؛ وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة ، لا يبصر من حوله ، ولا يرد حوارا ، ثم دفع الراية إلى ابنه محمد ، ثم حمل حملة ثانية وحده ، فدخل في وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما ، والرجال تفر من بين يديه ، وتنحاز عنه يمنة ويسرة ، حتى خضب الأرض بدماء القتلى ، ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته ، فاعصوصب به أصحابه ، وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام ، وقالوا : إنك إن تصب يذهب الدين ، فأمسك ونحن نكفيك . فقال : والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الاخرة . ثم قال لمحمد ابنه : هكذا تصنع يابن الحنفية ، فقال الناس : من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين ! ومن كلماته الفصيحة عليه السلام في يوم الجمل ، ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار قال : بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل ؛ إذ جاء علي عليه السلام فانحرت إليه فقال : أين مثرى القوم ؟ فقلت : ههنا - نحو عائشة .

قال الكلبي : يريد أين عددهم ؟ وأين جمهورهم وكثرتهم ؟ والمال الثري على فعيل هو الكثير ، ومنه رجل ثروان ، وامرأة ثروى ، وتصغيرها ثريا . والصدقة مثراة للمال ، أي مكثرة له .

صفحه ۱۵۷