شرح المشكل من شعر المتنبي
شرح المشكل من شعر المتنبي
ويروى) ولا الكزم (فمن رواه ولا الكرم، فمعناه: لم يقبض على قوائمها قبض اللئيم يده، اجتهادًا في محاربتهم، وذلك لقلتهم عندنا، ولصوننا سيوفنا عنهم، ولم نمُد بها إليهم صفحات أكفنا، كما يتوعد المشير إلى سيفه، باسطًا يده كما يبسطها الكريم، بل حَقَرناهم على الحالين معًا، فلم نُعمل فيهم السيوف كذا ولا كذا.
من رواه الكَزَم: اراد: لم نشدُد أيدينا عليها شَدَّ اللئيم الأكزن، وهو الذي قصر اللؤن أصابعه، كقولهم فيه: كَزُّ البنان؛ وجَعدُ البنان، وقولهم في ضده: سبطُ البنان. والرواية الأولى اعلى.
) تخذى الركابُ بنا بيضًا مَشافرُها ... خُضرًا فراسنُها في الرُّغل والينم (
الرغل والينم: نبتان. إما ابيضاض مشافرها فإنهم لا يهنئونها الرعي، من حثهم إياه، ومواقعتهم السير، فلا تبلغ من الرعى اليسير أن تخضر مشافرها، إنما كانت تخضر لو أنعمت الرعى.
ويدلك على صحة ما ذهبنا إليه قولُه:
. . . . . . . نَضْرِبُها ... عن منبتِ العُشب نبغِى مَنِبتَ الكَرَمِ
أولا تراه يصفها بأنه يقَدعُها عن الرعى، ويحثها على المشي.
وإما اخضرا فراسِنِها فلإدامتها السير في الكلأ، وأنواع النبات الأخضر. وخص الرغل واليَنَم لأنها مما يغلب على منابت الحَمض.
) هَون على بَصرٍ ما شقَّ منظرُهُ ... فإنما يَقظاتُ العَينِ كالُحلُمِ (
اي ما شق عليك النظر إليه، والمشاهدة له، من أنواع المكاره فهونه على عينك، فكل موجود معدوم بعد وجوده، كان خيرًا او شرًا.
وقوله:) فإنما يقظات العين كالحُلُم (اي كل ما تشاهد في اليقظة في قلة الدوام، في منزلة ما يُشاهد في الأحلام.
وإن شئت قلت إن المشاهدة في اليقظة غير حقيقة. كا أن مشاهدة ما في المَنام كذلك، مبالغة بقلة تحقيق الأشياء. والقول الأول أسوغ وأبلغ.
) ما زلتُ أضحكك إبلى كلما نظرت ... إلى من اختضبتْ أخفاَفُها بدمِ (
يذهب إلى احتقار كافور حتى إن إبله لتزدري مقصوده، فتضحك منه ومن القاصد. يقول: إلى مثل هذا الصنف اعمالنا وجهدنا، حتى اختضبت بالدم أخفافها، واراد إلى منِ اختضبت أخفافها بدم إليه فحذف الجار والمجرور، وحسن حذف ذلك، لأن إلى قد ظهرت في الكلام، وان لم يكن من سبب تلك المحذوفة. ونحوه ما أنشده سيبويه:
إن الكريم وأبيك يَعتمِل ... إن لم يَجدْ يوماُ على مَنْ يتَّكِلْ
اراد يتكل عليه. ونسبة الضحك إلى الإبل مثلٌ شعري غير حقيقي، لان الضحك خاصة للإنسان، والخاصة لا تتعدى مخصوصها.
وله ايضا:
) وبالسُّمرِ عن سُمر القنا غير أنني ... جناها أحبائي وأطرافُها رُسلي (
يُغرب بذاته في العشاق، وبحبائبه في المعشوقات. اي أنه لا نظير له في الحب، لأني إذا ذكرتُ البيض في شعري، لم اعنِ النساء، واذا ذكرت السُّمر؛ فإنما إعنى الرماح، ولكن إنما أحبائي، الأرواح التي تجْنيها لي من أجسام أعدائي، وأطرافها رُسلي، اي أسنتها هي التي تقوم مقام الرُّسُل إلى الأحباب. اي إنما أتوصل اليها بها، كما أتوصل إلى المحبوب بالرسول.
وجعل أرواح عداه جنى على المثل، لأنها حياة في الحقيقة، لأن الحياة نوع من النامي، والروح عندنا ليس بنام، واراد رُسُلي فخفف، وهي لغة تميم.
) فَما حَرَمت حسناء بالهجرِ غبطهً ... ولا بلغتها من شكى الهجر بالوصلِ (
ويُروى) بما حَرَمَتْ حسناء (. نهى عن الحرص على النساء، اي إذا هجرتها ثم وصلتها كنت أحسن موقعًا عندها، وأنشط لها، فزادت الغبطة. فإذا لم تَحرم هي، فهجرتُك اياها إذا عادت الغبطة بوصلك لها، بعد هجرك إياها؛ أبلغ. وإذا شكوت إليها الهجر وتذللت، هُنت عليها، فمنعتك وصلها، واما رواية من روى) فما حَرَمتْ حَسناء (وهي الصحيحة، فمعناه: لم تحرم امرأة محبوبة محبها غبطة بهجرها إياه، ولا بلغت شاكيًا شكى إليها هجرًا غبط بوصلها اياه. يذهب إلى التهاون بأمر النساء، اي إنهن لا يُتحن بهجرهن لك عدم غبطة، ولا بوصلهن إياك وجُودها. والهاء في قوله: بَلَّغَتها: عائدة إلى الغبطة، اي ولا بَلغتْ مُحبها غبطة يوصلها له. و) منْ (في موضع نصب لأنه مفعول ثان لبلغت.
1 / 95