شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
ناشر
دار ابن الجوزي
ویراست
الأولى
سال انتشار
١٤٣١ هـ
ژانرها
ولا يخالف هذا ما تقرَّر من أن الأصل اتباع المحفوظ وتقديمه على المرسوم؛ لأن المرسوم في هذه القضايا المعينة صار أصلًا يُعتمد عليه في القراءة، فيتبع كل قوم ما وقع من الرسم عندهم، ولا تعارض بين ذلك، فمن كان في مصحفه «وأوصى» فإنه يقرأ كذلك، ومن كان في مصحفه ﴿وَوَصَّى﴾ فإنه يقرأ كذلك، وهذا مما يقع فيه اتِّباع الرسم اتباعًا تامًّا.
وأما ما عدا ذلك فإنه يعود إلى المحفوظ، خصوصًا أن هناك قضايا صوتية كثيرة لا يمكن رسمها، وإنما حدث ضبطها - بعد جيل الصحابة - بعلم الضبط، ومثال ذلك أن القارئ بالإمالة أو الفتح في قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾ لا يختلف الرسم بينهما ألبتة.
والمقصود أن هذه الأمور إنما تؤخذ عن مشافهة القارئ، فالقراءة ما زالت هي الأصل، والمرسوم رتبة ثانية.
ومما يحسن بالباحث أن يستوعب قضايا الرسم التي في مصاحف عثمان، ويعرف ما كان من رسم الصحابة مما جاء بعدهم من باب الضبط؛ لكي لا يقع في بعض الأخطاء الطريفة؛ كمن يقول: وكتبوا في مصحف ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ وفي مصحف «فتثبّتوا»، فإن هذا غلط؛ لأن النقط ليس من عمل الصحابة ﵃، ولا هو مما يتعلق بالرسم.
هل ألزم عثمان ﵁ الناس بحرف واحد؟
لما نسخ عثمان ﵁ هذه المصاحف لم يلزم الناس بحرف واحد مما نزل، ومن قال بذلك اعتمد على قوله: «فاكتبوه بلسان قريش»، ولكن الصحيح أنه أراد بذلك أن يكون الرسم موافقًا للقراءة الأُولى التي نزل بها القرآن، وهي قراءة قريش، ثم إنه إذا كتب بعد ذلك برسم فإن ذلك لا يمنع أن يقرأ بما يخالف الرسم ولو احتمالًا، بدليل أنهم ينصُّون في كتب الرسم على أن بعض الألفاظ كتبت بوجه واحد في جميع
1 / 46