<span class="matn">والمرسلين وطراز عصابة أهل الله المقربين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وشيعته وحزبه صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين
(أما بعد) فإن الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات خصوصا علم الفقه العذب الزلال المتكفل ببيان الحرام من الحلال وقد كان مذهب الإمام مالك أهلا وحقيقا بذلك وكان أعظم ما صنف فيه من المختصرات وأغنى عن كثير من المطولات مختصر مولانا أبي الضياء خليل بن إسحاق - رحمه الله -
</span><span class="matn-hr"> </span>
[حاشية العدوي]
بعدها للبيان فيكون المعنى أصل الجماعة الذين هم الأنبياء والمرسلون فكما لا وجود للدائرة إلا بتلك النقطة لا وجود للجماعة المبينين بالأنبياء والمرسلين إلا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلولا وجوده ما وجدوا وما خلق الكون إلا من أجله هذا هو المراد بالأصالة أو أنه من قبيل التشبيه البليغ أي كالقطب للدائرة بالنسبة للأنبياء والمرسلين والمرسلين عطف خاص على عام.
(قوله وطراز عصابة) الطراز علم الثوب، ثم يجوز أن يكون تجوز بطراز عن مزين؛ لأنه يلزم من وجود الطراز في الثوب التزين فيكون مجازا مرسلا علاقته اللزوم ثم أريد به مزين تجوزا من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل فهو مجاز على مجاز، ثم بعد ذلك وصف به النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون شبه عصابة أي جماعة أهل الله بثوب فكما أن زينة الثوب بطرازه كذلك زينة أهل الله المقربين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن شئت قلت أنه تشبيه بليغ أي إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالطراز بالنسبة لعصابة أهل الله المقربين وإضافة عصابة لما بعده للبيان فتدبر والمقربين إما وصف كاشف أو مخصص بناء على أن يراد بأهل الله ما يشمل الأبرار والمقربين (قوله صلى الله) جملة خبرية لفظا إنشائية معنى (قوله وصحبه) جمع صاحب أو اسم جمع له قولان وسيأتي ما يتعلق بذلك.
(قوله وشيعته) أتباعه وأنصاره ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث كما في القاموس (قوله وحزبه) جماعته فيكون عين شيعته على ما قلنا (قوله دائمين) أي إن الله يصلي عليه صلاة دائمة ويسلم عليه كذلك أي يعظمه تعظيما دائما ويحييه تحية دائمة (قوله متلازمين) أي لا ينفك أحدهما عن الآخر وقوله إلى يوم الدين أي يوم الجزاء؛ لأنه اليوم الذي يجزى الناس فيه على أعمالهم، ثم ذلك كناية عن الدوام لا حقيقة؛ لأن المطلوب تعظيمه ولو في القيامة أو الجنة
(قوله فإن الاشتغال) الجواب محذوف أي فأقول إلخ؛ لأن جواب الشرط لا يكون إلا مستقبلا (قوله بالعلم) أي العلم الشرعي وآلاته (قوله من أفضل الطاعات) أي الطاعة المندوبة بل هو أفضل الطاعات لتعدي نفعه، وهو أفضل من النفع القاصر خلا الأوقات التي تطلب فيها الرواتب كما يدل عليه كلام بعض أئمة المذهب حيث قال ينبغي لطالب العلم أن يديم على الرواتب والطاعة هي امتثال الأمر عرف المطاع أو لا كالنظر المؤدي لمعرفته والقربة هي ما توقف على معرفة المتقرب إليه، وإن لم يتوقف على نية كالعتق والعبادة ما توقف على معرفة المعبود والنية (قوله وأولى) معطوف على أفضل (قوله نفائس الأوقات) أي الأوقات النفيسة أي المرغوب فيها باعتبار كونها ظرفا لطاعة الله تعالى أو ما يعين عليها فإذن هو وصف كاشف وفي الكلام استعارة بالكناية شبه الأوقات بما ينفق من ذهب وفضة واستعار اسم المشبه به للمشبه في النفس وإثبات الإنفاق تخييل أو أن إضافته نفائس للأوقات من إضافة المشبه به للمشبه وأراد بالنفائس ما كان مرغوبا فيه من الحسيات كما هو الحقيقة وربما يظهر ذلك من الإنفاق والإنفاق ترشيح للتشبيه (قوله علم الفقه) أي أخص علم الفقه خصوصا وإضافة علم إلى الفقه للبيان لا بيانية؛ لأن شرط البيانية أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه كخاتم حديد.
(قوله العذب) العذب والزلال مترادفان على ما في المصباح والمختار وعلى ما في القاموس فالزلال أخص من حيث إنه العذب البارد الصافي السهل السلس، ثم يجوز أن يكون من قبيل التشبيه البليغ أي كالماء العذب الزلال أو تجوز به عن المتشوفة إليه النفس لعلاقة اللزوم في الجملة؛ لأن الماء العذب يلزمه التشوف فتأمل إن كنت ذا تأمل (قوله المتكفل) أي المشتمل فشبه اشتماله على بيان الحلال والحرام بتكفل إنسان لإنسان في مال واستعير اسم المشبه به إلى المشبه واشتق من التكفل متكفل بمعنى المشتمل أو أنه مجاز عقلي (قوله ببيان) أي تبيين الحلال وأراد به ما لم ينه عنه نهي تحريم فيشمل ما عدا الحرام من الأحكام (قوله وقد كان) جملة حالية وقد لتقريب الماضي من الحال أو مستأنفة وقد للتحقيق (قوله وحقيقا) مرادف لما قبله أي مستحقا للوصف بذلك فلا يكون قصده إذن تمييز مذهبه بمزية لم توجد فيما سواه كما تقول فلان أهل للتدريس فلا ينافي أن غيره ممن اتصف بصفته كذلك ويجوز أن يكون مراده ذلك لما تقرر من أنه لم تضرب أكباد الإبل لأحد مثل ما ضربت له فكثر علمه في الأقطار وبث في جميع الأمصار، وهو في الحلال والحرام فكان بهذا الاعتبار أهلا وحقيقا بذلك أو لما علم من كون مذهبه سد الذرائع.
(قوله أعظم إلخ) خبر مقدم وقوله مختصر اسمها مؤخر هذا هو الأظهر أو أن أعظم اسمها وقوله مختصر خبر بادعاء أن هذا الأعظم أمر مقرر في النفوس مستحضر فيها والمحكوم به هل هو هذا المختصر أو غيره فأفاد أنه المختصر (قوله وأغنى) معطوف على كان أي وأخبر بأن مختصر مولانا أبي الضياء أعظم ما صنف فيه من المختصرات ومن للبيان مشوبة بتبعيض وأخبر بأنه أغنى عن كثير من المطولات (قوله كثير من المطولات) فيه إشارة إلى أنه لم يغن عن الكل، وهو كذلك لفوات كثير من المسائل المحتاج إليها الموجودة في بعض الكتب المطولات فلم يكن هذا المختصر مغنيا عنها وأراد بالمطول المطنب، وهو ما كانت الزيادة فيه لفائدة لا ما كانت الزيادة فيه غير معيشة لغير فائدة كقوله
وألفى قولها كذبا ومينا
(قوله مولانا) المولى الناصر كذا في كتب اللغة وأراد به معنى السيد أي الكامل المحتاج إليه أو أنه ناصرنا أي ناصر مذهبنا أو ديننا (قوله - رحمه الله -) جملة معترضة قصد بها الدعاء
صفحه ۷