210

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)

پژوهشگر

د. عبد الحميد هنداوي

ناشر

مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

محل انتشار

الرياض

ژانرها

ــ
عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: ألزم دين الصبي في الكتاب والأعرابي، واله عما سوى ذلك.
وقال مالك بن أنس: وإياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله! وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله، وصفاته، وكلامه، وعلمه، وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وقال: لو كان الكلام علمًا لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل.
وسئل سفيان الثوري عن الكلام فقال: دع الباطل، أين أنت من الحق؟ اتبع السنة ودع البدعة. وقال: وجدت الأمر في الإتباع، وقال: عليكم بما عليه الجمالون، والنساء في البيوت، والصبيان في الكتاب من الإقرار والعمل.
وقال الشافعي: لأن يبتلى المرء بما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بالكلام. وقال: حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك السنة والكتاب، وأخذ في الكلام.
فإن قلت: كيف الجمع بين هذا الذم البليغ في أمر الكلام، وبين قول الشيخ محيي الدين فيما سبق: إن علم الكلام من البدع الواجبة؟ قلت: إن الوجوب من حيث الضرورة من غلو المبتدعة والملاحدة، فحينئذ واجب على المسلمين دفعهم، ورفع شبههم، والمحذور جعله صنعة وعادة، ولهذا كان تعلم علم الكلام من فروض الكفايات كسائر الصناعات المباحة، وشبه حجة الإسلام المتكلم (بالدرقة).
قوله: «لا يضلونكم ولا يفتنونكم» النون مانعة عن أن يكون جوابًا للأمر، ففيه وجهان أحدهما: أن يكون إخبارًا، فكأنه لم قيل لهم: احذروا أنفسكم عنهم، واحذروهم أن يتعرضوا لكم، قيل: ماذا يكون بعد الحذر؟ فأجيب لا يضلونكم، كقوله تعالى: ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ إذا قرئ بالرفع على إرادة الإخبار، وينصره قراءة أبي حيان: لا يضيركم. وثانيهما: أن يكون خبرًا بمعنى النهي، كقوله تعالى: ﴿وإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إلاَّ اللَّهَ﴾ وهذا أبلغ من صريح النهي، كأن المطلوب قد حصل، وهو يخبر عن حصوله، فيكون النهي تأكيدًا للأمر، كأنه قيل: احذروهم ولا تتعرضوا، لما إن تعرضتم له يضلونكم كقوله تعالى: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ وقوله تعالى: ﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا﴾.

2 / 622