شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
پژوهشگر
د. عبد الحميد هنداوي
ناشر
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
محل انتشار
الرياض
ژانرها
٨٦ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه» متفق عليه.
ــ
فإنك تجد المعتبر فيهما على موجبة، والظاهر البادي سببا مخيلا، وقد اصطلح الناس – خواصهم وعوامهم – على أن الظاهر منها لا يترك بالباطن. وقوله: «وكل ميسر» أي مهيأ ومصروف إليه.
الحديث الثامن عن أبي هريرة ﵁: قوله: «حظه من الزنا» «من» البيانية مع ما يتصل بها حال من «حظه». «أدرك» أصاب ووصل. «لا محالة» «لا» لنفي الجنس، الجوهري: حال لونه أي تغير وحال عن العهد حولا انقلب، وحال الشيء بيني وبينك حجز، والمحالة الحيلة، يقال: المرء يعجز لا المحالة، وقولهم لا محالة: أي لا بد، يقال: الموت آت لا محالة – والجملة الثانية مرتبة على الأولى بلا حرف الترتيب، تفويضا لاستفادته إلى ذهن السامع، والتقدير: كتب الله تعالى وما كتبه لا بد أن يقع. «كتب» يحتمل أن يراد به أثبت، أي أثبت فيه الشهوة والميل إلى النساء، وخلق فيه العينين، والأذنين، والقلب، والفرج، وهي التي تجد لذة الزنا، وأن يراد به قدر أي قدر في الأزل أن يجري على ابن آدم الزنا، فإذا قدر في الأزل أدرك ذلك لا محالة.
قوله: «زنا العين النظر» إلى آخره، سمي هذه الأشياء باسم الزنا؛ لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه، ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج؛ لأنه منشؤه ومكانه، أي يصدقه بالإتيان بما هو المراد منه، ويكذبه بالكف عنه والترك.
«فا» في قوله: «كذب عليك الحج»: «كذب» كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم، وهي في معنى الأمر، كأنه يريد أن «كذب» ههنا تمثيل لإرادة معنى: اترك ما سولت لك نفسك من التواني في الحج، ثم استأنف بقوله: «اقصد الحج» فشبه إيجاب الحج عليه بسبب تهيؤ أسبابه ووجوب استطاعته، ثم تقاعده عنه، كأنه يقول: لم يجب عليك الحج؟ فقيل: كذب عليك الحج، على سبيل التأكيد، وكذا ما نحن بصدده من الاستعارة التمثيلية، شبهت صورة حال الإنسان، من إرساله الطرف – الذي هو رائد القلب – إلى النظر إلى المحارم، وإصغائه الأذن إلى السماع، ثم انبعاث القلب إلى الاشتهاء والتمني، ثم استدعائه منه قصارى ما يشتهي ويتمنى باستعمال الرجلين في المشي، واليدين في البطش، والفرج في تحقيق مشتهاه، فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه، وإذا امتنع عن ذلك خيبه فيه، بحالة رجل يخبره صاحبه بما يزينه له ويغريه عليه، فهو إما يصدقه بذلك ويمضي إلى ما أراده منه، أو يكذبه ويأبى عما دعاه إليه، ثم استعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في جانب المشبه به، من التصديق والتكذيب؛ ليكون قرينة للتمثيل، وكأن الحماسي نظر إلى هذا المعنى حيث قال:
2 / 539