إلى الطرفين (1) على سواء وليس الخلق كذلك، ولا نفس الفعل لان الفعل قد يكون تكليفيا ثم إنه ليس شئ من الأخلاق بطبيعي في الأصل سواء كان فضيلة أو رذيلة وإنما الطبيعي قبوله وإن كان ذلك القبول للفضيلة أو الرذيلة مختلفا (2) بالسرعة والبطؤ بحسب اختلاف المزاج (3) في قوة الاستعداد وضعفه لاحدى الجنسين، بيان انه ليس بطبيعي انه لو كان طبيعيا لما أمكن نقل الانسان عنه بالتأديب والتعويد وقد أمكن فوجب ان لا يكون طبيعيا، اما الملازمة فظاهرة فان أهل العالم لو اجتمعوا عل تعويد الحجر بالحركة إلى فوق لما أمكن ذلك بيان بطلان اللازم (4) ما يشاهد من انتقال بعض الخلق (5) عن بعض الأخلاق إلى بعض ولولا ذلك الانتقال لما كان لوضع التأديب والشريعة التي هي سياسة الله في خلقة فائدة.
واما أصول الفضائل الخلقية (6) فقد أجمع الحكماء على أنها ثلاثة وهي الحكمة والعفة والشجاعة بيان ذلك انك قد علمت أن للانسان قوة عقلية وان له قوة بها يكون الغضب والاقدام على الأهوال والتسلط والترفع وظهور الكرامات، وقوة بها تكون الشهوة وطلب الغذاء والنزاع إلى الملاذ البدنية واللذات الحسية وقد علمت تباين هذه القوى من جهة ان بعضها إذا قوى أضر بالآخر وربما أبطل أحدها فعل الاخر، وقد يقوى أحدهما ويضعف الاخر بحسب المزاج والعادة والتأديب فالقوة العقلية بالنسبة إلى البدن كالملك بالنسبة إلى المدينة ولذلك سميت ملكية وآلتها التي تستعملها من البدن (7) الدماغ، القوة الشهوية تسمى بهيمية وآلتها
صفحه ۱۹