أَكْثَرَ لِمَقَاصِدَ لَهُ فِي ذَلِكَ إمَّا لِمَشْهُورِيَّتِهَا أَوْ لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهَا لِكَوْنِ الْقَائِلِ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ وَالتَّحْقِيقِ وَلَهُ صِيتٌ وَمَكَانَةٌ وَشُهْرَةٌ تَمْنَعُ مِنْ إهْمَالِ قَوْلِهِ وَعَدَمِ حِكَايَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ الْمَشْهُورَ وَمَا بِهِ الْعَمَلُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ رَعْيًا لِاشْتِهَارِ الْقَائِلِ وَلَا يَعْنِي بِذَلِكَ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ الَّذِي هُوَ إعْمَالُ دَلِيلِ الْخَصْمِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ الَّذِي أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ دَأْبِ الْمُجْتَهِدِينَ النَّاظِرِينَ فِي الْأَدِلَّةِ فَحَيْثُ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمْ دَلِيلُ الْغَيْرِ أَعْمَلُوهُ وَحَيْثُ لَا أَهْمَلُوهُ، وَالنَّاظِمُ إنَّمَا هُوَ نَاظِمٌ لِكَلَامِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَامِعٌ لَهُ بِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَإِنْ وَجَدْت فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا النَّظْمِ فَلَا يُعَبِّرُ عَنْهَا بِصِيغَةِ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا يَجْزِمُ بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِالْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْحَاثِ وَهِيَ مِنْ حِسَانِ الْمَسَائِلِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُشْرَحَ بِهَا قَوْلُهُ رَعْيًا لِاشْتِهَارِ الْقَائِلِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَام الشَّارِحِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَا أَطَالَ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْجِيحِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا يَجُوزُ الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِهِ وَمَا لَا وَمَنْ تَجُوزُ فَتْوَاهُ وَمَنْ لَا وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَشْهُورِ مَا هُوَ وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ خِلَافَ الْمَشْهُورِ مِنْ مُرَاعَاةِ مَصَالِحَ عَرَضَتْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزَمُ اتِّبَاعَ عَمَلِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَيُنْهَى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فَمَنْ أَرَادَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِمُرَاجَعَتِهِ وَقَوْلُهُ فَضِمْنُهُ الْمُفِيدُ الْبَيْتُ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا النَّظْمَ تَضَمَّنَ الْمَسَائِلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكُتُبُ وَهِيَ مُفِيدُ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ وَالْمُقَرِّبُ وَالْمُنْتَخَبُ كِلَاهُمَا لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ الْأُولَى وَالْمَقْصِدُ الْمَحْمُودُ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ وَلَا يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّظْمَ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ مَسَائِلِ هَذِهِ الْكُتُبِ بَلْ وَلَا جُلِّهَا وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ فِيهِ فَوَائِدَ وَمَسَائِلَ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَفِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ تَوْرِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا النَّظْمَ اشْتَمَلَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَهِيَ كَوْنُهُ مُفِيدًا مُقَرِّبًا مُنْتَخَبًا وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ مَقْصِدٌ مَحْمُودٌ شَرْعًا تَقَبَّلَهُ اللَّهُ مِنْهُ وَنَفَعَهُ بِهِ ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾ [الشعراء: ٨٨] ﴿إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٩] .
نَظَمْته تَذْكِرَةً وَحِينَ تَمَّ ... بِمَا بِهِ الْبَلْوَى تَعُمُّ قَدْ أَلَمَّ
سَمَّيْته بِتُحْفَةِ الْحُكَّامِ ... فِي نُكَتِ الْعُقُودِ وَالْأَحْكَامِ
النَّظْمُ الْجَمْعُ يُقَالُ: نَظَمْت الْعِقْدَ إذَا جَمَعْت جَوَاهِرَهُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَحْسَنُ وَقَوْلُهُ: (تَذْكِرَةً) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ هُوَ بَيَانٌ لِلسَّبَبِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى نَظْمِهِ وَهُوَ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَهُ يَعْنِي وَتَبْصِرَةً لِمَنْ يَتَقَدَّمُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ بَرِّيٍّ
يَكُونُ لِلْمُبْتَدِئِينَ تَبْصِرَةً
الْبَيْتَ، وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ فِي صَدْرِ أَلْفِيَّتِهِ الْحَدِيثِيَّةِ
نَظَمْتهَا تَبْصِرَةً لِلْمُبْتَدِئِ
الْبَيْتَ، وَجُمْلَةُ (سَمَّيْته) مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَظَمْته وَحِينَ يَتَعَلَّقُ بِتَعُمُّ.
وَ(تَمَّ) بِمَعْنَى كَمُلَ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَلَمَّ، وَ(أَلَمَّ) مَعْنَاهُ نَزَلَ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَحَلِّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ أَلَمَّ بِكَذَا أَيْ أَشْعَرَ بِهِ أَوْ لَا إلْمَامَ لَهُ بِكَذَا أَيْ لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بِتَعُمُّ وَالْبَلْوَى مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ تَعُمُّ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَا، وَجُمْلَةُ قَدْ أَلَمَّ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تَمَّ، وَتَقْدِيرُ الْبَيْتِ نَظَمْته تَذْكِرَةً وَسَمَّيْتُهُ بِكَذَا حِينَ كَمُلَ حَالَ كَوْنِهِ مُلِمًّا أَيْ مُشْعِرًا بِمَا الْبَلْوَى تَعُمُّ بِهِ لِلْقُضَاةِ وَيَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ لَدَيْهِمْ وَالتُّحْفَةُ مَا أَتْحَفْت بِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْبِرِّ وَاللُّطْفِ وَكَذَا التُّحْفَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجَمْعُ تُحَفٌ (وَالنُّكَتُ) جَمْعُ نُكْتَةٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَنْبُو عَنْهُ النَّظَرُ وَلَا يُدْرَكُ بِسُرْعَةٍ (وَالْعُقُودُ) جَمْعُ عَقْدٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الصُّكُوكُ وَالْوَثَائِقُ الْمَكْتُوبُ فِيهَا مَا انْبَرَمَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، (وَالْأَحْكَامُ) جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ مَا يُلْزِمُ بِهِ الْقَاضِي الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْفَتْوَى هِيَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ وَالْحُكْمُ هُوَ الْإِلْزَامُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَفِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْمُؤَلِّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِ تَعَرُّضِهِمْ لِلْمُعْتَقَدَاتِ وَالْعِبَادَاتِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى
1 / 7