- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَقْضِي وَلَا ... يُقْضَى عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنًا وَعَلَا
ثُمَّ الصَّلَاةُ بِدَوَامِ الْأَبَدِ ... عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ وَالْفِئَةِ الْمُتَّبِعَهْ ... فِي كُلِّ مَا قَدْ سَنَّهُ وَشَرَعَهْ
قَالَ الشَّارِحُ وَلَدُ النَّاظِمِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي طَالِعَةِ شَرْحِهِ فِي التَّعْرِيفِ بِوَالِدِهِ النَّاظِمِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ مَا نَصُّهُ وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ الْكَلَامِ فَصْلًا يَتَضَمَّنُ التَّعْرِيفَ بِمَشْيَخَةِ الشَّيْخِ وَالِدِي ﵀ وَبِتَآلِيفِهِ وَمَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ
(وُلِدَ ﵀) ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ عَامِ سِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ (وَتُوُفِّيَ) حَادِي عَشَرَ شَوَّالٍ مِنْ عَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَمِنْ شُيُوخِهِ الشَّيْخُ الْأُسْتَاذُ الْمُفْتِي الشَّهِيرُ أَبُو سَعِيدٍ فَرَجُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ لُبٍّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْقَيْجَاطِيُّ وَنَاصِرُ السُّنَّةِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الشَّاطِبِيُّ وَقَاضِي الْجَمَاعَةِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِلَاقٍ وَخَالَاهُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو بَكْرٍ وَرَئِيسُ الْعُلُومِ الْمُسَانِيَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ ابْنَا الْخَطِيبِ الشَّهِيرِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ جُزَيٍّ وَالشَّرِيفُ الشَّهِيرُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَاضِي الرَّحَّالُ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ النُّمَيْرِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْأَشْهَبُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَلَنْسِيُّ ﵏ أَجْمَعِينَ
(ثُمَّ) عَدَّ جُمْلَةً مِنْ تَآلِيفِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْقِرَاءَاتِ وَالْفَرَائِضِ وَالنَّحْوِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا النَّظْمُ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَقَدْ أَنْشَدَنَا صَاحِبُنَا الْفَقِيهُ الْمُؤَقِّتُ الْفَرْضِيُّ الْعَدَدِيُّ الْحَاجُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ الْأُسْتَاذِ سَيِّدِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْقَاضِي بَيْتًا لِنَفْسِهِ رَمَزَ فِيهِ لِوِلَادَةِ النَّاظِمِ وَوَفَاتِهِ وَبَلَدِهِ عَلَى طُرُقِ نَظْمِ الْوَفَيَاتِ لِلْكَاتِبِ الْقَشْتَالِيِّ فِي كَوْنِهِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ وَالرَّمْزُ لِلْوَفَاةِ بِالْحُرُوفِ بِحَسَبِ الْجُمَلِ فَقَالَ:
وَقَدْ رَقَصَتْ غَرْنَاطَةُ بِابْنِ عَاصِمٍ ... وَسَحَّتْ دُمُوعًا لِلْقَضَاءِ الْمُنَزَّلِ
فَرَمَزَ لِسَنَةِ الْوِلَادَةِ بِالرَّاءِ وَالْقَافِ وَالصَّادِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ بِالْحِسَابِ الْمَذْكُورِ سِتُّونَ وَسَبْعُمِائَةٍ رَمْزًا لِلْوَفَاةِ وَبِالسِّينِ وَالْحَاءِ وَالتَّاءِ وَالدَّالِ وَالْمِيمِ وَالْوَاوِ وَالْعَيْنِ وَالْأَلِفِ وَمَجْمُوعُهُمَا بِالْحِسَابِ الْمَذْكُورِ ثَمَانُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالرَّقْصِ إشَارَةٌ إلَى الْوِلَادَةِ الْمَفْرُوحِ بِهَا إذْ الرَّقْصُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَحِ غَالِبًا كَمَا أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِسَحِّ الدُّمُوعِ وَالْقَضَاءِ الْمُنَزَّلِ الْإِشَارَةَ لِلْمَوْتِ
(وَافْتَتَحَ) النَّاظِمُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنَّهُ ﵊ كَانَ يَفْتَتِحُ خُطَبَهُ وَمَوَاعِظَهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى (وَخَرَّجَ) أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى افْتِتَاحِ تَآلِيفِهِمْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إمَّا بِلَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ بِغَيْرِهِ كَالْبَسْمَلَةِ وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُؤَلِّفُونَ الْكَلَامَ فِي الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَأَخْصَرُ مَا رَأَيْت الْآنَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّيْخِ خَالِدٍ الْأَزْهَرِيِّ فِي شَرْحِ تَوْضِيحِ ابْنِ هِشَامٍ وَلَفْظُهُ: الْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَالْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، فَيَكُونُ مَوْرِدُهُ خَاصًّا وَهَذَا الْوَصْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ عَامًّا وَالشُّكْرُ عَلَى الْعَكْسِ لِكَوْنِهِ لُغَةً فِعْلًا يُنَبِّئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَوْرِدُهُ اللِّسَانَ وَالْجِنَانَ وَالْأَرْكَانَ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ إلَى الشَّاكِرِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَعَمُّ وَأَخَصُّ مِنْ الْآخَرِ بِوَجْهٍ فَفِي الْفَضَائِلِ حَمْدٌ فَقَطْ وَفِي أَفْعَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ شُكْرٌ فَقَطْ وَفِي أَفْعَالِ اللِّسَانِ بِإِزَاءِ الْإِنْعَامِ حَمْدٌ وَشُكْرٌ.
وَالْحَمْدُ عُرْفًا فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَالشُّكْرُ أَخَصُّ مُطْلَقًا لِاخْتِصَاصِ تَعَلُّقِهِ بِالْبَارِي تَعَالَى وَلِتَقْيِيدِهِ بِكَوْنِ الْمُنْعِمِ مُنْعِمًا عَلَى الشَّاكِرِ وَغَيْرِهِ
1 / 4