============================================================
مقدمة السؤلف ثبوت الغرض للفاعل من فعله يستلزم استكماله بغيره، وثبوته علة لفعله يستلزم نقصانه في فاعليته، وليس يلزم من ذلك عبث في أفعاله تعالى، لأنها مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى، إلا أنها ليست عللا لأفعاله، ولا أغراضا له منها (قدر الأرزاق والآجال في الأزل) أشار به إلى القضاء الذى يتبعه القدر، والرزق عندنا ما ينتفع به حلالا كان أو حراما، والأجل يطلق على جميع مدة الشيء كالعمر، وعلى آخره الذي ينقرض فيه كوقت الموت، وقوله: (ثم إنه بعث إليهم الأنبياء والرسل) إشارة إلى مباحث النبوات، وكلمة ثم للتراخي في الرتبة، فإن البعثة مشتملة على أحكام كثيرة اشار إليها هاهنا سوى الأمر بالتفكر الذي ذكره فيما سبق، ولا يجوز حملها قوله: (وكلمة ثم إلخ) يعني أن قوله: بعث، عطف على قوله أمرهم، والبعثة وإن كانت متقدمة على الأمر المذكور لما مر من أنه على السنة الرسل، لكنها متأخرة عته رتبة لكن لا باعتبارها في تفسها، لان الأمر فرع البعثة، بل لانها مشتملة على احكام كثيرة أشار إليها المصنف رحمه الله هاهنا بقوله: سوى الأمر بالتفكر فإته ذكره سابقا ولا شك أن تلك الأحكام متاخرة عن الأمر بالتفكر في الرتبة العقلية، لأنه أول الواجبات على ما سيجيء، ولأنه باعتبار غايته إشارة إلى مباحث الإلهيات، والبعثة المذكورة هاهنا إشارة إلى مباحث النبوات، وما قيل: من أن ما ذكر هاهنا مشتمل على الأمر بالتفكر، حيث قال: ويامرهم بمعرفته فلا يصح استثناؤه عن قوله: أشار إليها فوهم، لأن المذكور هاهنا الأمر بالمعرفة لا الأمر بالتفكر والتوجيه، بأن قوله : سوى الأمر الخ متعلق بقوله: مشتملة على احكام، والمعنى آن البعثة مشتملة على أحكام كشيرة الأغراض، وإن كان بينها وبين الغاية فرق مشهور، وقد يفرق بينهما بأن الغرض هو الفائدة الموجودة العائدة إلى الفاعل، والغاية أعم، وتعليل الشارح كلا النفيين بعلة أخرى، يشير إلى هذا وقد يينى كلامه على ان المراد بالعلل العلل الفاعلية فحاصل الكلام أن الأفعال التي هي له تعالى عندنا ليست لغيره تعالى في نفس الأمر، كما عند المعتزلة في الأفعال الاختيارية للعباد والفلاسفة في عامة الأفعال، لأته يستلزم نقصانه في فاعليته حيث استند بعض الأفعال إلى غيره، ولك أن تبني الفرق في التعليل على الفرق في المفهوم فليتأمل.
قوله: (يستلزم نقصانه في فاعليته) لأن العلة الغائية هي الباعثة على الفعل وهي متقدمة على المعلول بحسب التصور حتى لو لم يتصور لم يتحقق الفعل والفاعلية أيضا، وإلا لم يكن ما فرضت غائية غائية، ولا شك انه نقصان في الفاعلية، والمذهب الحق أن الله تعالى كاف بماله من الإرادة في الأفعال كلها.
قوله: (حلالا كان أو حراما) فإن قلت: لو كان الحرام رزقا لكان منفق مغصوبه ممدوحا لقوله تعالى في مقام المدح: ومما رزقناهم ينفقون [البقرة: 3]، والتالي باطل، قلت: الملازمة ممنوعة لأن من للتبعيض، فالممدوح منفق بعض الرزق وهو الحلال الطيب.
قوله: (فإن البعثة مشتملة إلخ) إشارة إلى وجه التراخي في الرتبة وحاصله أن البعثة مشتملة
صفحه ۲۰