============================================================
مقدمة السؤلف الاستعناف بصيغة الفعل، توحده بالقدم، وذلك لا ينافي كون صفاته الزائدة على ذاته قديمة، لأنها ليست مغايرة له، وربط بالأبدي توحده بالبقاء، فإنه الباقي بذاته وما سواه إنما هو باق به وبإرادته، (وقضى) أي حكم (على ما عداه بالعدم والفناء) هو العدم الطارى على الوجود، فهو أخص من العدم مطلقا (له الملك) توطعة لما يذكره من صفاته الفعلية، وما يتعلق بها، وإنما ذكرها بصيغ الأفعال لمناسبتها إياها (يحيي ويبيد) من الإبادة بمعنى الإهلاك (ويبدى ويعيد وينقص من خلقه ويزبد) كل ذلك على وفق مشيئته (لا يجب عليه شيء) من الأفعال، كما يزعمه أهل الاعتزال إذ لا حاكم فوقه يوجبه عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وكون العقل حاكما باطل كما ستعرفه (له الخلق والأمر) له الإيجاد والحكم (يفعل ما يشاء) بقدرته (ويحكم ما يريد) بحكمته لا مانع لمشيئته ولا راد لحكمه (لا تعلل أفعاله بالأغراض والعلل) لأن قول: (توحد بالقدم إلخ) لم يتعرض ماهنا لنكتة الاستعناف لظهورها، وهي الاعتناء بشأن مضمونه، ردا على الفرق المثبتين للقدم والبقاء لغيره تعالى من الفلاسفة والجرمانيين وغيرهما.
قوله: (لأنها ليست الخ) يعني أن المراد بتوحده بالقدم، والبقاء عدم مشاركة غيره له فيهما، والصفات ليست مغايرة له بقرينة قوله: وقضى على ما عداه، ولو قال: لأنها ليست ما عداه لكان أظهر، ولم يحتج إلى حمل الغير على المعنى الاصطلاحي، فإن معنى ما عداه ما تجاوزه وانفك عنه في الوجود.
قوله: (لأنها ليست مغايرة له) والمتبادر المتعارف من التوحد هو النفي عن الأغيار، كما لا يخفى على المنصف، فاتدفع ما قيل: عدم الغيرية لا يقتضي العينية التي يقتضيها التوحد، نعم يندفع بما ذكره السؤال على قوله: وحكم على ما عداه بالعدم والفناء، إلا آن يقال: المتبادر من التوحد هو النفي عن الغير بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي، وقد يقال : هذا وارد على متعارف العرب حيث يقولون: ما رايت إلا زيدا، ويريدون مع صفاته، والاقرب أن يحمل على القدم بذاته كما ذكره في البقاء، فلا نقض بالصفات، وإن قيل بالتغاير بينها وبين الذات .
قوله: (لمناسبتها إياها) لأن صيغ الأفعال تدل على التجدد، كما أن الصفات الأفعال متجددة.
قوله: (إذ لا حاكم فوقه) وكون العقل حاكما باطل، يعني أن الوجوب عليه إما بوجود من يوجبه عليه، ولا يخفى بطلانه، او بحكم العقل بالوجوب عليه بأن يدرك في بعض الأفمال أو التروك قبحا ذاتيا، يحيل لأجله الإتيان به، ويوجب عليه تعالى الإتيان بخلافه كما يزعمه المعتزلة، وهذا أيضا باطل كما ستعرفه من أن الحسن والقبح شرعيان، وقد يقال : العقل وإن لم يكن حاكما بالحسن والقبح لكن يجوز أن يكون مدركا إذ وجوب بعض الأشياء علته، يكون مقتضى أسمائه الكمالية الأزلية اللازمة فتامل.
قوله: (بالأغراض والعلل) الظاهر آن المراد بالعلل العلل الغائية وأنه لا فرق بينها وبين
صفحه ۱۹