Sharh Lum'at al-I'tiqad by Khalid Al-Mosleh
شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
ژانرها
نسبة الشر إلى الله
لكن يبقى
السؤال
هل الشر في فعل الله ﷿ أو في مفعوله، يعني: في مقضيه وما يقدره؟
الجواب
ليس في فعله شر بالكلية، ودليل هذا ما رواه الإمام مسلم من حديث علي بن أبي طالب ﵁ في دعاء الاستفتاح الذي كان يقوله النبي ﷺ في صلاته: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين وفيه: لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك) فقال النبي ﷺ في الثناء على ربه: (والشر ليس إليك)، أي: لا ينسب إليك، ويفهم هذا من قوله: (والخير كله في يديك)، فإذا كان الخير كله في يديه فإنه لا ينسب إليه الشر، ولا يوصف به، ولذلك فالشر في كلام الله ﷿ وفي كلام رسوله ﷺ لا يضاف إلى الله جل وعلا، بل إما أن يضيفه الله ﷿ للمخلوق المقضي المقدر، من ذلك قول الله تعالى في سورة الفلق: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق:١-٢] أي: من شر الذي خلقه الله، فأضاف الشر للمخلوق، ومنه أيضًا هنا: (وقني شر ما قضيت)، فأضاف الشر للمخلوق في سورة الفلق، وأضافه في هذا الحديث للمقضي، حيث أتى ذكر الشر دون ذكر فاعله في كلام الله ﷿ مع التصريح بأن الخير من الله، فلا يضاف إليه الشر.
ومنه قول الله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:٦-٧]، ثم قال في المغضوب عليهم والضالين: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧]، فلم يذكر فاعل ذلك وذكر المفعول والواقع، وهو الغضب والضلال.
ويذكر الشر على وجه الإجمال، أي: يندرج في غيره ولا يكون منصوصًا عليه، مثل قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد:١٦] ومنه قوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:٤٩] فلا يشك مؤمن يدرك معاني كلام الله ﷿ وما كان عليه السلف الصالح من مفهوم هذه الآية أن الشر مندرج في هذه الآية لعموم قوله: (كُلَّ شَيْءٍ) فكل شيء من خلق الله ﷿.
إذًا: ليس في كلام الله ولا كلام الرسول ﷺ إضافة الشر إلى الرب جل وعلا، وإنما يرد على هذه الصيغ أو الصور التي ذكرناها قبل قليل، فالشر ليس من فعله، إنما يكون في المقضي المقدر، وإنما أضفناه للمقضي المقدر لأنه شر، فالمرض شر، والمعصية شر، ولكنها شر نسبي وليس شرًا محضًا، فهي شر من جهة وخير من جهة: شر من جهة المخالفة أو من جهة ما يلحق الإنسان من ضرر، وأما ما يترتب على وجود هذه الأشياء، فإنه يترتب على وجودها الحكمة البالغة والرحمة الواسعة، فمراد المؤلف ﵀ في سياق هذه الآيات والأحاديث هو تقرير أن القدر يشمل الصلاح والفساد، ويشمل الخير والشر، ويشمل الطاعة والمعصية.
وحديث الحسن بن علي ﵁ رواه الخمسة ونبه ابن حبان وابن خزيمة إلى أن لفظ: (في قنوت الوتر) في قول الحسن: (علمني رسول الله ﷺ دعاءً أقوله في قنوت الوتر) زيادة تفرد بها أبو إسحاق السبيعي وخالفه فيها شعبة، وشعبة أحفظ من أبي إسحاق، والبون بينهما شاسع، ولذلك رجح جماعة من العلماء رواية شعبة على رواية أبي إسحاق، ورواية شعبة ليس فيها ذكر القنوت، إنما قال: (علمني النبي ﷺ دعاءً) وليس فيه أنه يقال في الوتر، ولكن جاء عند النسائي من طريق ثانية: أن النبي ﷺ علمه في دعاء الوتر، فيعضد ما ذكره أبو إسحاق السبيعي عن بريد ابن أبي مريم، فيصح ما ذهب إليه الجمهور من أن هذا الدعاء يقال في قنوت الوتر.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.
9 / 9